الباب
الاول
الإطار
العام
أ.
المقدمة
لقد مارس أهل العربية فنونها منذ نشأت
لغتهم حتى شبت وترعرت، وأصبحت فى عنفوان شبابها عملاقا معطاء، واستظهروا شعرها
ونثرها. وحكمها وأمثالها، وطاوعهم البيان فى أساليب ساحرة، حقيقة ومجازا، ايجازا
وإيطانا، حديثا ومقالا، وكلما ارتفعت اللغة وتسامت، وقفت على أعتاب لغة القرآن فى
اعجازه اللغوى كسيرة صاغرة، تنحى أمام أسلوبه إجلالا وخشية، وما عهد تاريخ العربية
حقبة من أحقاب التاريخ.
ازداهرت
فيها اللغة إلا وتطامن أعلامها وأساتذتها أمام بيان القرآن اعنترافا بسموه،
وإدراكا لأسراره، ولاعجب "فتلك سنة الله فى آياته التى يصنعها بيديه، لايزيدك
العلم بها والوقوف على أسراره إلا إذعانا لعظمتها، وثقة بالعجز عنها، ولاكذلك
صناعة الحلق، فإن فضل العلم بها يمكنك منها ويفتح لك الطريق الى زيادة عليها، ومن
هنا كان سحرة فرعون هم أول المؤمنين برب موسى وهارون".
والذين
تملكهم الغرور، وأصابتهم لوثة الإعجاب بالنفس، وحاولوا التطاول على أسلوب القرآن،
حاكوه بكلام فارغ. أشبه بالسخف والتفاهة والهذيان والعبث، وارتدوا على أعقابهم
خاسرين، كالمتنبئين وأشباه المتنبئين، من الدجالين والمغرورين.
وقد
شهد التاريخ فرسانا للعربية خاضوا غمارها وأحرزوا قصب السبق فيها، فما استطاع أحد منهم أن تحدثه نفسه بمعارضة القرآن. إلا
باء بالحزى و الهوان، بل إن التاريخ سجل هذا العجز على اللغة، فى أزهى عصبورها،
وأرقى أدوارها،حين نزول هذا القرآن، وقد بلغت العربية أشدها، وتوافرت لها عناصر
الكمال والتهذيب فى المجامع العربية وأسواقها، وقف القرآن من أصحاب هذه اللغة موقف
التحدى. فى صور شئ، متنزلا معهم الى الأخف من عشر سور الى سورة الى حديث مثله،
فمااستطاع أحد أن يباريه أو يجاريه منهم، وهم أهل الأنفة و العزة والإباء. ولو وجد
قدرة على محاكاة شئ منه، أو وجد ثغرة فيه. لما ركبوا المركب الصعب أمام هذا
التحدى، بإشهار السيوف، بعد ان عجز البيان، وتحطمت الأقلام.
فيحاول
الباحث فى هذا البحث المتواضع تقديم المباحث يعنى "الإعجاز اللغوى فى القرآن
الكريم" .
ب.تحديد البحث
مؤسسًا على المسألة
السابقة فى خلفية البحث فتكون تحديد البحث فيما يلي:
1.
مفهوم
الإعجاز اللغوى
2.
الإعجاز
اللغوى فى القرآن الكريم
ج. أهداف البحث
1.
لمعرفة
مفهوم الإعجاز اللغوى
2.
لمعرفة
الإعجاز اللغوى فى القرآن الكريم
الباب
الثانى
الإطار
النظري
أ. تعريف الإعجاز
اللغوى
الإعجاز : إثبات العجز، والعجز فى التعارف : اسم للقصور عن
فعل الشئ. وهو ضد القدرة، و إذا ثبت الإعجاز ظهرات قدرة المعجز، والمراد بالإعجاز
هنا : إظهار صدق النبي صلى الله عليه وسلم فى دعوى الرسالة بإظهار عجز العرب عن
معارضته فى معجزات الخالدة (وهي القرآن) وعجز الإجيال بعدهم[1].
وعند ابن منظور فى كتابه-لسان العرب- أن الإعجاز مشتق من
العجز. والعجز : الضعف أو عدم القدرة. و الإعجاز مصدر "أعجز" وهو بمعنى
الفوت والسبق[2].
الإعجاز: من التعجيز والتثبيط والنسبة إلى العجز،
يقال أعجزه الشئ أي فاته، ومنه قوله تعالى: "فَبَعَثَ اللَّهُ غُرَاباً
يَبْحَثُ فِي الْأَرْضِ لِيُرِيَهُ كَيْفَ يُوَارِي سَوْءَةَ أَخِيهِ قَالَ يَا
وَيْلَتَى أَعَجَزْتُ أَنْ أَكُونَ مِثْلَ هَذَا الْغُرَابِ فَأُوَارِيَ سَوْءَةَ
أَخِي فَأَصْبَحَ مِنَ النَّادِمِينَ" (المائدة:31)
ويقال معجزة النبي (صلى الله عليه وسلم) أي ما
أعجز به الخصم عند التحدي .
لقد أيد الله تعالى رسله بمعجزات، وكانت معجزة نبينا
(صلى الله عليه وسلم) هي القرآن الكريم الذي عجزت الإنس والجن عن الإتيان بمثله،
قال تعالى: "قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْأِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ
يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ
بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيراً" (الإسراء:88) وقد شهد بإعجازه أعدائه، ثم
تحداه بالإتيان بعشر سور من مثله، قال تعالى: " أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ
قُلْ فَأْتُواْ بِعَشْرِ سُوَرٍ مِّثْلِهِ مُفْتَرَيَاتٍ وَادْعُواْ مَنِ
اسْتَطَعْتُم مِّن دُونِ اللّهِ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ " (هود: 13)، ثم
تحداهم أن يأتوا بسورة من مثله، قال تعالى: "أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ
فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِثْلِهِ وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ
إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ" (يونس:38) وتمثلت المعجزة أيضاً في وصوله لنا عن
طريق المصطفى (صلى الله عليه وسلم) وهو لم يمسك قلماً ولم يكتب أو يقرأ.
وأما
الإعجاز اللغوي: هو كون
تراكيب القرآن وأسلوبه ونظمه متناهية في الفصاحة والبلاغة إلى حدٍّ يعجز البشرُ عن
الوصول إليه.
ب. الإعجاز
اللغوي في القرآن الكريم
الإعجاز اللغوي في القرآن ينقسم الى عدة الجوانب، هي :
1. البلاغة
في القرآن
معجزة القرآن الكريم تتمثل في وجوه كثيرة، أولها
البلاغة، وكونه فصيحاً بلسان عربي مبين، قال تعالى: "قُرْآناً عَرَبِيّاً
غَيْرَ ذِي عِوَجٍ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ" (الزمر:28)، وقد عجزت العرب رغم
فصاحتهم بالإتيان بمثله لما فيه من حسن بلاغة وقوة في المعاني وبراعة
الألفاظ ودقة التشبيه وحسن ترابط وتسلسل ورغم ذلك كان بلسان عربي بليغ
ومبين، قال تعالى: " بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُّبِينٍ " (الشعراء 195).
وأعجزت بلاغته فصحاء قريش وخطباءها، فإتهموا محمداً (صلى
الله عليه وسلم) بأنه شاعر ثم سرعان ما رأوا أنه ليس بشعر، قال تعالى: "وَمَا
عَلَّمْنَاهُ الشِّعْرَ وَمَا يَنْبَغِي لَهُ إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ وَقُرْآنٌ
مُبِينٌ" (يّـس:69)، ثم قالوا إنه ساحر كما فعل الوليد بن المغيرة، فقال
تعالى على لسانه: "فَقَالَ إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْرٌ يُؤْثَرُ * إِنْ هَذَا
إِلَّا قَوْلُ الْبَشَرِ" (المدثر: 23-25)، ثم قالوا إنه كاهناً تارة وتارة
إتهموه بالجنون، قال تعالى: "فَذَكِّرْ فَمَا أَنتَ بِنِعْمَتِ رَبِّكَ
بِكَاهِنٍ وَلَا مَجْنُون * أَمْ يَقُولُونَ شَاعِرٌ نَّتَرَبَّصُ بِهِ رَيْبَ
الْمَنُونِ "(الطور:29-30)، ومنهم من قال إنه يقول أساطير الأولين ، قال
تعالى : " إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِ آيَاتُنَا قَالَ أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ "
(القلم: 15).
كل هذا بكفرهم وعنادهم وقد إستيقنت أنفسهم بأنه من عند
الله وعرفوا أنه الحق ولكن الكبر وإتباع الآباء والخوف على الجاه والمكان بين
الناس منعهم من قبوله.
2.
مخاطبة العقل والقلب معاً
ومن معجزات القرآن أنه يخاطب العقل والقلب معاً ، فتجد
له وقعاً على كليهما ، وجعله الله شفاء للقلوب ورحمة ونور، قال تعالى : "يَا
أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءتْكُم مَّوْعِظَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَشِفَاء لِّمَا
فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ" ( يونس: 57) ، وقال : "
وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ وَلا
يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلَّا خَسَاراً " (الاسراء:82).
كما أن معظم
القرآن إنما يخاطب العقل ويحثه على التفكر في خلق الله كالسماوات والأرض وإمعان
النظر في الكون وفي الأنفس والآفاق وجعل ذلك وسيلة للوصول إلى الإيمان بالله، قال
تعالى : " أَوَلَمْ يَنظُرُواْ فِي مَلَكُوتِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا
خَلَقَ اللّهُ مِن شَيْءٍ وَأَنْ عَسَى أَن يَكُونَ قَدِ اقْتَرَبَ أَجَلُهُمْ
فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ يُؤْمِنُونَ" (الأعراف: 185).
وقد جعله الله تعالى مصدراً لتثبيت النفس وعونها على
الصبر ومصدر هداية وتبشير للمؤمنين كما ثبت به الله تعالى فؤاد النبي (صلى الله
عليه وسلم)، قال تعالى : " قُلْ نَزَّلَهُ رُوحُ الْقُدُسِ مِن رَّبِّكَ
بِالْحَقِّ لِيُثَبِّتَ الَّذِينَ آمَنُواْ وَهُدًى وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ
"(النحل: 102)،كما جعله مصدر راحة وإطمئنان للمؤمن، قال تعالى :
"الَّذِينَ آمَنُواْ وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُم بِذِكْرِ اللّهِ أَلاَ
بِذِكْرِ اللّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ "(الرعد: 28).
وكم أسعد هذا القرآن قلوباً مولعة ومشتاقة للرحمن
ومتعطشة للقاءه ، فتجد كلامه تعالى خير دواء وسكن ينزل برداً وسلاماً على القلب
والروح فتسعد النفس بترتيله فما أعظمها نعمة هي نعمة القرآن ،وهذا إنما يفهمه
ويشعر به المؤمن كامل الإيمان الذي يتوق للقاء الرفيق الأعلى .
3. أمثال القرآن
ومن إعجاز القرآن ووسائله للوصول إلى العقول والأفهام
ضرب الأمثال التي تقرب المعاني وتفتح الأذهان المغلقة والعقول الحائرة فتقنع كل
إنسان يريد أن يصل إلى الحقيقة ولم يقل كما قالت بنو إسرائيل قلوبنا غلف ، بل من
يريد الحق ولم يعاند ويكابر لابد وأن يجد الحقيقة في القرآن واضحة كوضوح الشمس في
وسط النهار ، قال تعالى : "وَلَقَدْ ضَرَبْنَا لِلنَّاسِ فِي هَذَا
الْقُرْآنِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ" (الزمر:27).
أما المعاندين الذين عرفوا الحق واستكبروا عليه وكفروا
به قال عنهم : "وَلَقَدْ ضَرَبْنَا لِلنَّاسِ فِي هَذَا الْقُرْآنِ مِنْ
كُلِّ مَثَلٍ وَلَئِنْ جِئْتَهُمْ بِآيَةٍ لَيَقُولَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ
أَنْتُمْ إِلَّا مُبْطِلُونَ" (الروم:58) ، ورغم بيان الأمثال جادل فيها
الكفار وتكبروا عليها ، قال تعالى : "وَلَقَدْ صَرَّفْنَا فِي هَذَا
الْقُرْآنِ لِلنَّاسِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ وَكَانَ الْأِنْسَانُ أَكْثَرَ شَيْءٍ
جَدَلاً" (الكهف:54) .
4. الإيقاع
المنتظم للقرآن الكريم
ومن إعجاز القرآن أيضاً الإيقاع المنتظم للقرآن الذي جعل
كفار قريش يتهمون محمداً بالسحر مرة ومرة بالشعر ومرة بالكهانة ، قال تعالى : "فَلَمَّا
جَاءَهُمُ الْحَقُّ مِنْ عِنْدِنَا قَالُوا إِنَّ هَذَا لَسِحْرٌ مُبِينٌ"
(يونس:76)، ومن ذلك ما نسمعه عندما نقرأ سورة القمر مثلاً، فلنقرأ معاً سورة القمر
ولنستمع لروعة البيان ومزمار من مزامير داود ، ولنتلو سورة الرحمن ونستمع لما يعجز
المتنبئ وأبي فراس وأحمد شوقي وغيرهم عن الإتيان بكلام كهذا.
كما يعجز عبد الحليم وأم كلثوم ووليد توفيق وغيرهم من
الفسقة عن أن يأتوا بما في القرآن من روعة وإنسجام ، إن هؤلاء المذكورين وأشباههم
لمحرومون من سماع مثل هذا ويا لضياعهم وغرورهم بما هم فيه من باطل ومعصية وما
يتلفظون به من سخافة ألفاظ وسماجة ألحان وهوي زائغ وما يتبعهم إلا الغاوون فيا لهم
من ضالين مضلين ، أما كلام الله تعالى فلا يأتيه الباطل ولا يخلق من كثرة الرد.
وقال (صلى الله عليه وسلم) لأبي موسى عندما إستمع لتلاوته بأنه أوتي مزماراً من
مزامير داوود، عَنْ أَبِى مُوسَى قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم
لأَبِى مُوسَى : « لَوْ رَأَيْتَنِى وَأَنَا أَسْتَمِعُ لِقِرَاءَتِكَ
الْبَارِحَةَ لَقَدْ أُوتِيتَ مِزْمَارًا مِنْ مَزَامِيرِ آلِ دَاوُدَ » البخاري
1888.
ويكفي هذا الحديث في فضائل القرآن : عن الحارث الأعور
قال: مررت في المسجد فإذا الناس يخوضون في الأحاديث، فدخلت على علي فقلت: يا أمير
المؤمنين ألا ترى الناس قد خاضوا قال: أو قد فعلوها؟ قلت: نعم، قال: أما إني سمعت
رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إنها ستكون فتنة قلت: ما المخرج منها يا رسول
الله؟ قال: كتاب الله فيه نبأ من قبلكم، وخبر ما بعدكم، وحكم ما بينكم هو الفصل
ليس بالهزل، من تركه من جبار قصمه الله، ومن ابتغى الهدى في غيره أضله الله، وهو
حبل الله المتين، وهو الذكر الحكيم، وهو الصراط المستقيم، هو الذي لا تزيغ به
الأهواء ولا تلتبس به الألسنة، ولا تشبع منه العلماء، ولا يخلق عن كثرة الرد، ولا
تنقضي عجائبه، هو الذي لم تنته الجن إذ سمعته حتى قالوا: "إنا سمعنا قرآنا
عجبا يهدي إلى الرشد فآمنا به". من قال به صدق، ومن عمل به أجر، ومن حكم به
عدل، ومن دعا إليه هدى إلى الصراط المستقيم.
الباب
الثالث
الاخـتتام
الخلاصة
1. أن الإعجاز مشتق
من العجز. والعجز : الضعف أو عدم القدرة. و الإعجاز مصدر "أعجز" وهو
بمعنى الفوت والسبق. وأما الإعجاز اللغوي: هو كون تراكيب القرآن وأسلوبه ونظمه
متناهية في الفصاحة والبلاغة إلى حدٍّ يعجز البشرُ عن الوصول إليه.
2. الإعجاز
اللغوي في القرآن ينقسم الى عدة الجوانب، هي : البلاغة
في القرآن، ومخاطبة العقل والقلب معاً، وأمثال القرآن، والإيقاع المنتظم
للقرآن الكريم.
قائمة المراجع
·
القرآن الكريم .
·
القاموس المحيط، باب الزاي، فصل العين .
·
شيخ عبد المجيد الزندانى، موقع الإعجاز العلمي في القرآن
والسنة، وغدا عصر الأيمان.
·
محمد متولي الشعراوي، موقع الإعجاز العلمي في القرآن
والسنة.
·
مناع
القطان:1997، مباحث فى علوم القرآن، الرياض، منشورات العصر الحديث
·
ابن
منظور. لسان العرب