الباب
الأول
الإطار
العام
أ.
المقدمة
لا ينبغي أن يدرس موضوع تقسيم الكلام
من وجهة نظر الدراسات القديمة والحديثة على أنه من الأمور المسلّم بها ، بل ينبغي
إعادة النظر فيها وخضوعه لدراسة جادة فاحصة في إطار وصف الظواهر اللغوية ، بعيداً
عن التأويل والتعليل ، بعيداً عن كل ما من شأنه أن يفلسف القضايا النحوية ويضعها
في غير إطارها الصحيح
.
إن دوران النحاة القدماء في فلك
التقسيم الثلاثي لأقسام الكلمة دون مسوغ عرّض الدراسات اللغوية للكثير من المتاعب
المنهجية ، وبدلاً من تيسير المسائل وتذليل صعوباتها ، سار النحاة في طريق التعقيد
وإثارة الخلاف في مسائل عديدة ، كان من نتائجها أن ضجر المتعلمون والدارسون ، فضاع
القصد ، وتفتت الجهود وتشوه الجوهر
.
هذه الدراسة دعوة علمية للرجوع إلى خط
النحو الأصيل وتخليصه من كل الأدران التي علقت به ، والرجوع إلى وجه النحو المشرق
المستمد من واقع اللغة ، ومساهمة في استخدام أفضل السبل الكفيلة لتيسير النحو
العربي أمام المتعلم والباحث في إطار تطبيق المنهج الوصفي في دراستنا هذه ، والذي
يقرره فيما يقرره أن كل دراسة لغوية لا بد أن يكون موضوعها الأول والأخير هو
المعنى ، وكيفية ارتباطه بأشكال التعبير المختلفة
.
ب.
أسئلة البحث
1.
ما هى أقسام الكلم عند
القدماء؟
2.
ما هى الأسس اعتماد فى
تصنيف الكلم؟
3.
ما هى أقسام الكلم عند المحدثين؟
ج.
أهداف البحث
1.
لمعرفة أقسام الكلم
عند القدماء
2.
لمعرفة الأسس اعتماد
فى تصنيف الكلم
3.
لمعرفة أقسام الكلم عند المحدثين
الباب
الثانى
الإطار
النظرى
أ.
أقسام الكلم
عند القدماء
قسم سيبويه كلم العربية أقساماً ثلاثة هي :
الاسم ، والفعل ، والحرف؛فقال في كتابه: فالكلم اسم، وفعل، وحرف جاء لمعنى ليس
باسم ولا فعل[1].
وقد تبـع كثير من نحاة العربية سيبويه في هذه القسمة الثلاثية، بل إنّ ابن فارس
نقل إجماع النحاة على هذه القسمة، لكن بعض النحاة بعد ابن فارس نقلوا أنّ أبا جعفر
بن صابر عدّ في الكلم قسماً رابعاً سمّاه "الخالفة"،ويظهر أنّ هذا القول
لم يجد القبول لدى بعض النحاة. إذ قال ابن هشام بعـد نقله القسمة الثلاثية: إنّها باتفاق
من يُعتدُّ به. فيُفهمُ منه أنه لم يعتدّ بقول من خالف هذه القسمة،ومثله الصبان[2].
1.
حدّ النحاة
أقسام الكلم الثلاثة
أ)
حدّ الاسم :
لم يحدّ سيبويه الاسم واكتفى بالتمثيل له
فقال: فالاسم: رجل ،وفرس وحائط. وحاول النحاة بعده حدّه بحدّ جامع مانع فكثرت
الحدود الموضوعة فيـه حتى نقل الأنباري
أنها تنيف على سبعين حدّا،ومنها قول المبرد: أما الأسماء فما كان واقعاً على
معنى نحو رجل ، وفرس، وقول ابن السراج: الاسم ما دلّ على معنى مفرد وذلك المعنى يكون شخصاً وغير شخص،
وحدّه السيرافي بأنّه: كلّ شيء دلّ لفظه على معنى غير مقترن بزمان مُحصَّل من مضي
أوغيره[3].
ويظهر
لي أنّ بعض النحاة قد لحظوا عدم صدق الحدود الموضوعة على كل الأنواع التي أدخلوها
تحت الاسم؛يفهم ذلك من نقل الأنباري قـول بعض النحاة في الاسم: إنّه لا حدّ له ولهذا لم يحدّه سيبويه و إنما اكتفى
فيه بالمثال، كما يمكن أن يفهم من ترك بعض النحاة حدّ الاسم واستعاضتهم عنه بذكر
بعض العلامات التي تُماز بها الأسماء عن بقية أقسام الكلم؛إذ نُقل عـن الفـراء
أنّه قال : الاسـم ما احتـمل التنوين،أو الإضافة،أو الألف واللام، ويدلّ على ذلك
أيضاً النقد الذي وجّهه بعض النحاة إلى بعض تلك الحدود[4].
ب)
حدّ الفعل :
حدّ سيبويه الفعل فقال: وأما الفعل
فأمثلة أخذت من لفظ أحداث الأسماء وبنيت لما مضى ، ولما يكون ولم يقع ، وما هو
كائن لم ينقطع. ويفهم مـن هذا الحدّ تركيز سيبويه في الفعل على ثلاثة أمور:
الأول: أن يكون مشتقاً
من مصدر[5].
الثاني: أن
يكون على بناء خاص بالأفعال،يؤخذُ هذا من قوله: وأمّا الفعلُ فأمثلة. وهي الأبنيّة
الخاصّة بالأفعال[6].
الثالث: أن يدل ببنيته
على الزمان[7].
وحدّ بعض النحاة الفعل بحدود أخرى يظهر
في كثير منها التركيز على دلالة الكلمة على الحدث والزمان؛من ذلك قول ابن السرّاج:
الفعل ما دلّ معنى وزمان[8]، وقول
أبي علي الفارسي: وأما الفعل فما دلّ على معنى وزمان[9].
وبعض
النُّحاة غيرهما. ونقلَ بعضُ النُّحاة كثرة الحدود الموضوعة للفعل[10]،لكن
بعض هذه الحدود لم تسلم من نقد بعض النحاة، كما أنّ بعض النحاة اكتفوا بذكر علامات
خاصة بالأفعال دونَ حدّه[11].
ج) حدّ الحرف :
قال سيبويه في الحرف حين عدّ أقسام
الكلم: وحرف جاء لمعنى ليس باسم ولا فعل، ثم مثل له بـ "ثمّ، وسوف، وواو
القسم، ولام الإضافة ونحوها".
ويَصعُبُ عدُّ كلام سيبويه عن الحرف
حدّاً،بل هو ذكرٌ للقسم الثالث وسلبٌ له من الاسميّة والفعليّة. كما يتضح من تمثيل
سيبويه للحرف أنه يعني بالقسم الثالث من الكلم:حروف المعاني لا حروف المباني.
ويتضمّن كلام سيبويه عن الحرف:الإيجاب في
كون الحرف جاء لمعنى والسلب في كون هذا الحرف الذي جاء لمعنى ليس باسم ولا فعل.
وقد
كثرت الحدود الموضوعة للحرف بعد سيبويه، ومع ذلك فإنّ بعض النحاة لم يحدّ الحرف واقتصر على ذكر علامته[12].
2.
تعليل بعض
النحاة كون القسمة ثلاثية
حاول بعض النحاة تعليل كون قسمة الكلم
ثلاثية فنقل بعضهم الاستدلال بالسماع عن علي بن أبي طالب، وعـلل بعضهم بأنّ هذه
الأقسام الثلاثة تعبر عن كلّ ما يخطر في
النفس، وعـلل بعضـهم بتعلـيل منـطقي يـدور بين النفي والإثبـات في الدلالة عـلى
معنى أو عدمه، أو في صلاحية كون الكلمة ركنـاً في الإسناد أو عدمه، ومنهم من
علَّلَ باستقراء النحاة كلام العرب ووقوفهم على هذه الأقسام الثلاثة،وأنَّه لو كان
ثمّ قسم رابع لوقفوا عليه[13].
ب.
الأسس التي اعتمد في تصنيف الكلم
لم يكن سيبويه غافلاً عن الأنواع المتعدّدة التي تندرج تحت قسم واحد من أقسام الكلم،ففي الاسم وعى سيبويه تعدُّد الأنواع المندرجة تحته: كاسم الجنس،والمصدر والصفة،والظرف،والضمير. إذ يفرق في تحليله بين هذه الأنواع عند تقابلها، من ذلك قوله في عنوان أحد أبواب الكتاب: هذا باب يختار فيه أن تكون المصادر مبتدأة مبنياً عليها مـا بعدها وما أشبه المصادر من الأسماء والصفات، ففرَّقَ بين المصدر،والاسم والصفة عند تقابلها.وقال مفرقاً بين الاسم والظرف: واعلم أنّ المضاف إليه ينجرّ بثلاثة أشياء: بشيء ليس باسم ولا ظرف[14]، وبشيء يكون ظرفاً،وباسم لا يكون ظرفاً.[15]
ومن خلال نفيه الاسمية،والظرفية عن حروف الجر وعدم نفيه الاسمية عن الظرف رغـم تصريحه بظرفيته يمكن أن يفهم أنّه يعد الظرف نوعاً من الأسماء؛بل إنّه صرح بذلك بعد تمثيله للظرف فقال: وهذه الظروف أسماء ولكنها صارت مواضع للأشياء، ففـرَّق بين الاسم والظرف عند تقابلهما. وفرق بين الاسم والصفة كذلك فقال فيما يبنى عليه الكلم: أما ما كان على ثلاثة أحرف من غير الأفعال فإنّه يكون "فَعْلاً" ويكون في الأسمـاء والصفات؛فالأسماء مثل: صَقْر ، وفَهْد ، وكَلْب. والصفة نحو: صَعْب وضَخْم.[16]
ومع تفريق سيبويه بين هذه الأنواع
المتعدّدة في تحليله فإنّه ـ كما يظهر من ذكره أقسـام الكلم ـ لم يعـدّ خواص كل نوع مما يندرج عنده تحت قسم
الاسم كافية لإخراجه في قسم خاص به ، فعلى أي أساس صنف سيبويه الكلم ، وضمّ
الأنواع المتعدّدة تحت قسم واحد؟
نقل محمود نحلة أنّ باحثة ألمانية تدعى (أولركة موزل) توصلت في بحث لـها إلى أنّ سيبويه (قسَّمَ) الكلم على أساس توزيعه (distribution) في الجملة كما نقل عنها أنّ هذا الأسـاس (التوزيع) :هو الذي دعا سيبويه إلى جمع أنواع متعدّدة من الكلم تحت قسم الاسم؛ لأنّه وجد أنّ عناصر الفصيلة الفرعية لها في مقابل الفصائل الفرعية الأخرى نفس التوزيع[17]. ونقل عنها أيضاً استنتاجها من ترك سيبويه حدّ الاسم وتمثيله له باسم الجنس:أنّ اسم الجنس ((هو الأصل في الأسماء وغيره محمول عليه ، فإذا أمكن أن يحل عنصر لغوي محله في موضـع واحد علـى الأقل دون أن يتغير التركيب،أو تصبح الجملة غير صحيحة نحوياً؛فهذا العنصر اسم ولا ريب[18].
وبعدَ تتبُّعي ما ورد في الكتاب من تصنيف
سيبويه الكلم تحت أحد الأقسام الثلاثة
توصلتُ في هذا البحث إلى أنّ(التوزيع) أساس اعتمد عليه سيبويه في ذلك
التصنيف.
ويظهرُ لي أيضاً أنّ تمثيل سيبويه للاسم
باسـم الجنس كان مقصوداً؛لأنّ العلامات التي وضعها النحاة لتَـعَرُّف الاسـم تنطبق
على اسم الجنس باستثناء بعض الوظائف النحوية التي يثبت أنّه لا يـؤديها سوى الاسم
المشتق ، وهذا لا يعني انهيار الفكرة التي توصلت إليها موزل؛لأنّه لا يشترط في اسم
الجنس أن يقع في موضع الاسم المشتق،بل اسم الجنس هو الأصل المحمول عليه في هذا
الشأن فوقـوع الاسـم المشتق في أحد مواضع اسم الجنس يدخله تحت الاسم في التقسيم
الثلاثي لكـلم العربية،ومثلـه الضمائر وأسـماء الموصول ، وأسماء الإشارة والظروف.
وذهب نحلة إلى أنّ كل ما أدخله سيبويه
تحت قسم الاسم في كلم العربية اعتمد فيه على أسس خمسة[19]
هي:
1.
الأساس التوزيعي يعني
السوابق واللواحق الخاصة بالأسماء،كأن يسبق الكلمة دون فاصل حرف من حروف الجر،أو
يلحق بها تنوين التمكين،أو ياء النسب.
2.
الأساس الاستبدالي يعني
أن تقع الكلمة أو الضميمة موقع اسم جنس في
سياق لغوي صحيح.
3.
الأسـاس الوظيفي
(النحوي) يعني أن تقع الكلمة مبتدأ،أو فاعلاً،أو مفعولاً،أوفي أيّ موضع تختص به الأسماء فتؤدي وظيفته النحوية.
4.
الأساس الصرفي. يعني
أن تـثنى الكلمة،أو تجمع تصحيحاً،أو تكسيراً،أو تصغّر أو تؤنث.
5.
الأساس الدلالي يعني
أن تـدل الكلمة على معنى في نفسها من غير اقتران بزمان محصل.
ويظـهر
لي بعـد ما استطعت تتبّعه في كتاب سيبويه أنّ الأسس التي ذكرها نحلة ليست خاصة
بتعرُّف الاسم وحده ؛ بل هي عامة في تعرُّف القسم الذي تندرج تحته الكلمة من
الأقسام الثلاثة ؛كما أنّي وقفت على أساسين لم يذكرهما نحلة هما :
1.
الأساس الأول: (
الإعراب والبناء)
يظهرُ لي
أنّ إعراب الكلمة أو بناءها كان أساساً اعتمد عليه سيبويه في التفريق بين
الكلم،ومقابلته الاسم بالفعل والحرف؛إذ شرع بعد ذكره القسمة الثلاثيّة بالحديث عن
مجاري أواخر الكلم، فذكر مصطلحاته في عـلامات الإعـراب،وعلامات البناء، ثم
ذكر أنّ حـروف الإعـراب للأسـماء المتمكـنة، وللأفعـال المضـارعة لأسمـاءالفاعلين،
ثم مثّل للأسماء في أحوالها الإعرابية الثلاثة،وللأفعال كذلك، ثم تحدث
سيبويه في مشابهة الأفعال المضارعة الأسماء، وكأنّه يلتمس بهذا الشبه سبب
إعـراب الأفعال المضارعة،فذكـر شبه الفعل المضـارع باسم الفاعل في لـحاق اللام
بـهما في نحو:إنّ عبد الله ليفعل،وإنّ عبد الله لفاعل، ونفى لحاق اللام
بالفعل الماضي، وكأنه يريد أن يبين اختـصاص المضارع بالإعراب دون
الماضي؛لأنّ الماضي والمضارع اشتركا في الوقوع صفة للاسم كما يقع اسـم الفاعل.ثم
ذكر شبهاً آخر اختصّ به المضارع دون الماضي وهو دخـول السين وسوف عليه لمعنى كما
تدخل الألف واللام على الاسم لتُفيد التعريف، فكانت النتيجـة أن أُعْـرِبَ
المضارع كالأسماء؛لشبهه بالأسماء،والأصل في الأسماء الإعراب،وبقي الماضي مبنياً
على الأصل في الأفعال[20].
ثم ذكر
سيبويه أنّ علامات البناء (( للأسماء غير المتمكنة المضارعة عندهم ما ليس باسم ولا
فعل مما جاء لمعنى ليس غير نحو سوف،وقد،وللأفعال التي لم تجر مجرى المضارعة،وللحروف
التي ليست بأسماء ولا أفعال ولم تجئ إلا لمعنى[21]،
فلعله عنى بذلك أنّ الأصل في الإعراب أن يكون للأسماء وهو مما تعرف به،وأمّا
ما أُعْـرِبَ من الأفعال المضارعة فلشبهه باسم الفاعل.
ويؤيّدُ
ذلك وهو أنَّ الإعراب والبناء من الأسس التي اعتمد عليها سيبويه في تصنيف الكلم
أنَّ سيبويه بعد أن ذكر إعراب الأفعال المضارعة لشبهها باسم الفاعل ذهب ينفي كون
الأفعال المضارعة أسماء رُغم إعرابها ومخالفتها ما عليه الأفعال وهو البناء،فقال:
ويبين لك أنّها ليست بأسماء أنّك لو وضعتها مواضع الأسماء لم يجز ذلك[22].
فإذا لم
يكن الإعراب والبناء ممّا اعتمد عليه سيبويه في تعرُّف القسم الذي تُصَنَّف الكلمة
تحته فما الداعي إلى التماسه أسباب إعراب الفعل المضارع،وذكره ما أشبه به اسم الفاعل،ثم نفيه كون الأفعال
المضارعة أسماء حين أعربت فخالفت ما عليه الأفعال وهو البناء؟.
2.
الأساس الثاني :
(التركيب وما يأتلف منه الكلام)
يظهر لي
أنّ ما يأتلف منه الكلام في تركيب الجملة العربيّة كان أحد الأسس التي اعتمد عليها
سيبويه في تعرُّف القسم الذي تندرجُ تحته الكلمة؛إذ لا يؤلف الحرف مع الحرف
تركيباً إسنادياً،وكذلك الفعل مع الفعل وإنما يحصل الإسناد بين اسم واسم،أو فعل واسم . قال سيبويه: ألا ترى أنّ الفعل لا
بد له من الاسم وإلاّ لم يكن كلاماً
والاسم قد يستغني عن الفعل،تقول:الله إلهنا،وعبد الله أخون[23].
ومن
استعمال سيبويه هذا الأساس في بيان القسم الذي تندرج تحته الكلمة نفيه كون الفعل
المضارع اسماً بعد ذكره ما يشبه به اسم الفاعل: ويبين لك أنّها ليست بأسماء أنّك
لو وضعتها مواضع الأسماء لم يجز ذلك،ألا ترى أنّك لو قلت: إنّ يضرب يأتينا
وأشباه
هذا لم يكن كلاماً.[24]
ومما جاء
في اعتماد سيبويه على هذا الأساس أيضاً قوله: هذا باب ما يقع موقع الاسم
المبتدأ،ويسد مسدّه؛لأنّه مستقَّر لما بعده وموضع،والذي عمل فيما بعده حتى رفعه هو
الذي عمل فيه حين كان قبله،ولكن كلُّ واحد منهما لا يُستغنى به عن صاحبه،فلمّا
جمعا استغنى عليهما السكوت حتى صارا في الاستغناء كقولك:هذا عبد الله. ثم مثل بـ
ثَمَّ زيد ،وههنا عمرو، وأين زيد، وكيف عبد الله، وما أشبه ذلك[25]. فثَمَّ
وههنا،وأين،وكيف،وقبلها (هذا) كلّها أسماء وقعت في موضع الاسم وتممت مع الاسم الذي
بعدها كلاماً تحصل به الفائدة[26].
3.
الأساس الثالث :
(الاستبدال):
وهذان
الأساسان مترابطان، وقد استدل سيبويه بهما كليهما،فهو يعقب استدلاله بالموضع على
اسمية الكلمة باستبداله باسم ليؤكد صحة مذهبه ، وقد اعتمـد سيبويه على هـذين
الأساسين اعتماداً ظاهراً في تصنيف الكلم،وضمّ الأنواع المتعددة تحت قسم واحد ومن
ذلك قوله: وتقول: سير عليه يوم،فترفعه على حدّ قولك: يومان[27]، فالظـرف
(يوم) وقع في موضع الاسم فأدى وظيفة نائب الفاعل،ثم يقول سيبويه مبيناً أنّه حين
يكون في الجملة ما ينوب عن الفاعل فإنّ هذا الظرف ينتصب على الظرفية: وتقول: سير
عليـه فرسخان يومين؛لأنّك شغلت الفعـل بالفـرسخين فصـار كقولك:سير عليه بعيرُك
يومين[28].
فنحن هنا
أمام وظيفة من وظائف الاسم هي (نائب الفاعل) وأمام ثلاثة أسماء تقع في هذا الموضع
وتؤدي وظيفته،هي: (يوم،أو يومان)،و(فرسخان) و(بعـير) وأمام آلة إجرائية استخدمها
سيبويه في الاستدلال هي: (الاستبـدال) في قـوله: سير عليه بعيرك يومين، إذ استدل
على كون (فرسخان) شغل وظيفة نائب الفاعل فانتصب الظـرف (يومين) ثُمَّ استبدل
(بعيرك) بـ(فرسخان)؛ ليبين صحة الاستعمال.
ومن ذلك
أيضاً قول سيبويه: ولو قال:آلدارُ أنت نازل فيها فجعل نازلاً اسماً رفع؛ كأنّه
قال: آلدارُ أنت رجل فيها[29]. فـ(نازل)
اسم وقع في موضع(رجل) وسيبويه يستخدم
الاستبدال آلةً للاستدلال على صحة الاستعمال.
وقد استدلّ
سيبويه بالموضع،واستعمل الاستبدال في الحكم لوحدات لغوية مؤلَّفة من أكثر من عنصر
لغويٍّ بعضها يندرجُ مفرداً تحت الحروف،وبعضها يندرج تحت الأسماء،وبعضها تحت
الأفعال،فحكم لتلك الوحدات بكامل عناصرها بأنَّها من الأسماء.
4.
الأساس الرابع :
(الاستدلال بالسوابق واللواحق):
إذا سبقت
الكلمة بسابقةٍ خاصةٍ بالاسم دون فاصلٍ،مثل سبقها بحرف من حروف الجر، أو (أل) التي
للتعريف أو لحقت بها لاحقة خاصة بالاسم أيضاً كتنوين التمكين[30]، ونحـو
ذلك فـهو دليـل على اسميتها،وإن سبقت بما يخص الفعـل: كالسين وسوف وهلاّ،وقد،أو
بحرف من حروف الجزم، أو لحقت بها لاحقة خاصة بالفعل كتاء التأنيث الساكنة، أو
اتصلت بها ضمائر الرفع المتصلة، فهي فعل وهكذا. وممّا جاء في اعتماد سيبويه على
هذا الأساس:عدُّه (عن) و (على) اسمين في بعض الاستعمالات اللغوية لسبقهما بحرف من
حروف الجر،فقال في عن: وأما (عن) فاسم إذا قلت:من عن يمينك؛ لأنّ (من) لا تعمل
إلاّ في الأسماء[31]
وقال في على: وهو اسم ولا يكون إلاّ ظرفاً ويدلك على أنّه اسم قول بعض العرب:نهض
من عليه[32].
5.
الأساس الخامس : تصريف
الكلمة:
وذلك بأن
تكون الكلمة على صيغة خاصة بقسم من أقسام الكلم كصيغ الأفعال مثلاً،أو أن تصرّف الكلمة تصرّفاً
خاصاً بالاسم:كالتثنية،والجمع،والتصغير.
ومن اعتماد
سيبويه عـلى هذا الأساس ما نجده في حدّه الفعل بقوله: أمثلة أخذت من لفظ أحداث
الأسماء[33].
فقوله (أمثلة) أي صيغ صرفية خاصة .
ومنه كذلك
إخراج سيبويه أسماء الأفعال من قسم الفعل مع أنّه يشير في حديثه عنها إلى أنّهـا تقع كثيراً في مواضع الأفعال،وأنّها تدل
على ما تدل عليه من الأمر والنهي، لكنَّها مع ذلك ليست بأفعال؛إذ(( لا تظهر فيها
علامة المضمر وذلك أنّها أسماء،وليست على
الأمثلة التي أُخذت من الفعل الحادث فيما مضى،وفيما يستقبل،وفي يومك[34].
6.
الأساس السادس : (
الدّلالة ):
يظهـر لنا
استعمال سيبويه هذا الأساس في حدّه الفعل،ووصفه الحرف؛إذ اشترط في الفعل دلالته
على الحدث والزمن بصيغته، ووَصَفَ الحرف بأنّه جاء لمعنى ليس باسم ولا فعل[35].
ومما يمكن
أن يستدل به على اتخاذ سيبويه هذا الأساس في تصنيفه الكلـم اعتماده على
العَلَميَّة في نقل كلمة من قسم إلى آخر،أو من نوع إلى آخر مما يندرج تحت قسم واحد
في التقسيم الثلاثي،فمن الأول:قول سيبويه مفرِّقاً بين استعمال الكلمة (يشكر) في
جواز أدائها وظيفة الصفة النحوية وعدم جواز ذلك: وأما (يشكر) فإنّه لا يكون صفة وهو
اسم،وإنما يكون صفة وهو فعل[36]،
فكلمة (يشكر) تدخـل تحت قسم الفعـل في النظرة المعجمية قبل دخولها في الاستعمال ،
ويتضح بقاؤها على أصلها أو عدمه من خلال الاستعمال اللغوي،فإن بقيت على أصلها
المعجمي جاز حلولها صفة نحوية،وإن تحولت إلى الاسمية عبر العلمية فإنّه لا يجوز
حلولها صفة نحوية؛ لأنّ العَلَم يُنعتُ، ولا يُنعـت به وهذا دليل على أنّ سيبويه
لم يكن يعتمد في دراسته على قواعد جامدة لا تنظر في اختلاف الاستعمالات اللغوية.
ومن
الثاني:إخراجه كلمة (أحمر) من الصفة الصرفية إلى الاسم حين تنقل إلى العلمية،وعليه
يختلف النظر إلى هذه الكلمة تصريفياً فتجمع جمع الأسماء؛لأنّها دخلت في الاسم عبر
العلمية ولم تعد صفة،قال سيبويه: وإن سميت رجلاً بأحمر فإن شئت قلت: أحمرون ،وإن
شئت كسّرته فقلت: الأحامر ،ولا تقول: الحُمْر؛لأنّه الآن اسم وليس بصفة كما تجمع
الأرانب ،والأرامل[37].
وقد اتخذ بعض
النحاة بعـد سيبويه بعـض هذه الأسس في تصنيف الكلم كما يظهر في حدّهم الأقسام
الثلاثة، والعلامات التي ذكروها في تعرُّف القسم الذي تندرج الكلمة تحته وفي
إجرائهم أثناء التحليل؛فمن اعتماد بعـض النحاة على التركيب وائتلاف الكلام في
تعرُّف القسم الذي تندرج الكلمة تحته:عدُّهم جواز الإسناد إلى الكلمة دليلاً على
اسميتها. ومن اعتماد بعض النحاة على الموضع عدُّهم وقوع الكلمة فاعلاً، أو مفعولاً
به[38]
دليلاً على اسميتها. ومن الاعتماد على السوابق واللواحق عدُّ بعض النحاة من
عـلامات الأسـماء : أن تُسبـق الكلمـة بحـرف مـن حـروف الجر، أو(أل) التي للتعريف،
أو حرف من حروف النداء، أو أن يلـحق بها التنوين، أو ألف الندبة[39].
وعـدُّهم
من عـلامات الأفعال : أن تُسبق الكلمة بالسين أو سوف، أو(لم) ، أو قد، أو هلاّ أو
أن تلحق بها تاء التأنيث الساكنة، أو نون التوكيد الثقيلة،أو الخفيفة. ومن الاعتماد
على الصرف عدُّ بعض النحاة من علامات الأسماء:التثنية، والجمع، والتصغير. وعدُّهم
من علامات الأفعال : التصرّف. ومن الاعتماد على الدلالة ما نجده في الحدود التي
وضعها بعض النحاة لأقسام الكلم الثلاثة،وعدُّ بعض النحاة من علامات الأسماء:أن
يصلح مع الكلمة (يضرُّ،وينفع) ، تقول: الرجل ينفعني،والضربُ يضرُّني[40]،
أو كونها عبارة عن شخص أوكونها عَلَماً. وعدّهم من علامات الأفعال : دلالة الكلمة
على الأمر ودلالتها على الزمن الماضي، أو
الحال، أو المستقبل[41].
أما الحرف
فقد اكتفى بعض النحاة في تعرُّفه على العلامات السلبية، فما لم تنطبق عليه علامات
الأسماء،ولا علامات الأفعال فهو حرف .
ويظهر ممّا
سبق أنّ سيبويه ومن تبعه من النحاة لم يعتمدوا على معيار واحد في تعرُّف القسم
الذي تُصنَّفُ الكلمة تحته.كما لم يشترط بعض النحاة الذين تبعوا سيبويه انطباق كلّ
العلامات الخاصة بقسم من أقسام الكـلم على كلّ كلمة تُصنَّف تحته وهو ما يفهم من
قـول ابن السرّاج بعد أن ذكر عدداً من علامات الأسماء: إلا أنّ هذه الأشياء ليس
يعـرف بها كلّ اسم ، وإنما يعرف بها الأكثر[42]،
أي أنّ هناك كلمـات لا تنطبق عليها العـلامات التي ذكرها،لكنَّ هذا لا يُخرجها من
قسـم الأسماء؛لأنه لا يشتـرط انطباق كلّ علامات الأسماء على كلّ كلمـة تدخل تحت
الاسـم في القسمـة الثلاثية.ومثـل ابن السَّرّاج في ذلك:الـزجاجي، وابن
يعيش،والسيوطي[43].
ج. أقسام الكلم عند المحدثين
بقيت لدي ملاحظات على محاولات التقسيم
الرباعية والسباعية التي مر عرضها سابقها وإتماما للفائدة اسجلها فيما يأتي :
1.
حول التقسيم الرباعي.
قلت إن الدارسين المحدثين أحسنوا صنعا
بفصل الكلمات المبهمة وجعلها قسماً مستقلا بنفسه ولكن ملاحظاتي عليها :
أ)
إن جعل العدد ـ كما صنع الدكتور ـ كما صنع الدكتور أنيس من
جملة هذا القسم لم يتضح لي وجهه ، فالاعداد تحتاح إلى تمييز يبين المعدود بها ،
ولكن ليس كل ما يحتاج إلى تمييز يكون (غير مستقل المعنى) فالمقصود بعدم الاستقلال
، أن الذهن لا توجد به (صورة) أي معنى من اللفظ المسموع عند سماعه منفردا ، ولفظ
(أربعة) وحدها يوجد لها صورة ذهنية غير مفتقرة إلى ما يحدد معناها ، فصورة الاربعة
غير صورة الثلاثة والخمسة ولكنها إذا دخلت في جملة احتاجت إلى ما يعين نوع المعدود
بها ، أهو كتب أم أقلام أم دفاتر ؟ وهذه طبيعة كل ما يحتاج إلى تمييز كالمساحات
والاوزان وغيرهما ، فنحن نعرف (معنى) المتر والصاع وندرك صورتهما الذهنية ، ولكننا
نحتاج إلى ما يميز المقصود بهما أهو متر أرض أم قماش ؟ وصاع تمر أم شعير ؟ وهذا
بخلاف معنى (أل) و (الذي) فإن صورتهما لا تنطبع في الذهن إلا وهي (معلقة) بصورة
صلتها (أل ـ رجل) (الذي ـ جاءني)
وهذا هو معنى افتقار هذه الكلمات إلى
الغير ، أي أنه لا يتحصل لها (معنى)
في الذهن إلا وهي مرتبطة ومعلقة
بالغير.
ب)
إن هذه المحاولة لم تحاول أن تدرس (الصفة) دراسة
كافية لذلك اختلف دارسوها فالدكتور أنيس جعلها في قسم الاسم ـ كما صنع البصريون ـ
، والدكتور المخزومي جعلها في قسم الفعل ـ كما صنع الكوفيون ـ.ولعل
ذلك ناشىء من ملاحظة جمل يكون فيها للوصف (فاعلا) أو نائبا عن الفاعل ـ مع أن هذه
الملاحظة موجودة في المصدر أيضا ـ فأعرب الكوفيون (كاتب) في جملة : (أكاتب زيد رسالة) فعلا وسموه بـ ( الفعل الدائم) تمييزا له عن الماضي والمستقبل ، وتابعهم
المخزومي في ذلك[44]،
أما البصريون فلانهم يعتبرون (كاتب)
اسما تكلموا في إعرابها ، وجعلوا
(كاتب) مبتدأ و (زيد) فاعلا سد مسد الخبر.ولو أنهم تنبهوا إلى أن الصفة قسم مستقل عن الاسم والفعل ،
يختلف عنهما في طبيعة تركيبه ودلالته لكان لهم في إعرابها وجه أقرب إلى السلامة من
هذا.
ويبدو لي أن الصفة تمتاز في إسنادها عن كل من إسناد الاسم
وإسناد الفعل، فالاسم لا يقع مسندا إلا إلى المبتداء ـ (زيد أخوك) و النخيل نبات ـ
والفعل لا يقع مسندا إلا إلى الفاعل ـ قام محمد ، ويكتب علي ـ أما الصفة فتمتاز
عنهما في أنها تقع مسندا لكل من المبتدأ والفاعل ، فكاتب في جملة (زيد كاتب) صفة
اسندت إلى المبتدأ ـ من دون حاجة تقدير ضمير فاعل لكاتب كما صنع النحاة السابقون[45]
ـ وهي في جملة (أكاتب زيد رسالة) صفة اسندت إلى الفاعل ، وهذا ما سوغ للدكتور تمام
حسان ـ ولعله كان على حق ـ أن يتحدث عن (جملة وصفية) في مقابل الجملتين الاسمية
والفعلية. فالصفة التي تسند إلى فاعل تكون (الجملة الوصفية) والصفة ـ أو
الاسم ـ التي تسند إلى مبتدأ تكون (الجملة الاسمية(.
وعلى هذا الاساس تكون الجملة الوصفية أصلية ـ أي كبرى ـ مثل :
(أكاتب زيد رسالة) كما تكون فرعية ـ أي صغرى ـ مثل (أنا كاتب رسالة) على غرار
الجملة الصغرى في مثل (زيد قام أبوه... أو أبوه قائم).
2. حول التقسيم السباعي :
أما محاولة الدكتور تمام حسان في
تقسيمه الكلمة إلى سبعة أقسام أي بإضافة قسمين آخرين إلى ما ارتضيناه هما :
الظرف والخالفة فستدورمناقشتي معه حول هذين القسمين :
أ ) الظرف.
والظرف مصطلح نحوي يعني وظيفة نحوية (المفعول فيه). وليس هو
الكلمة التي تشعر بالزمان والمكان فقط ، وإلا لكانت الافعال ظروفا لانها تتضمن
الزمن ـ عند النحاة ـ ولكانت بعض الحروف ظروفا لانها تدل على (نسبة ظرفية) مثل في
و مذ و منذ، كما أن النحاة لا يعنون بالظرف الكلمة التي تدل بوضعها المعجمي على
جزء من الزمان أو حيز من المكان ، فالكلمات الدالة على ذلك هي من فصيلة الاسماء
فقط ، كاليوم ، والشهر ، والسنة ، والمنزل ، والمطعم وأمثالها من الكلمات التي
يفهم منها الزمان أو المكان سواء كانت جزء من جملة أم لم تكن ، ولهذا يصح لهذه
الكلمات أن تتحمل وظيفة الظرف المفعول فيه، كما تتحمل وظيفة المبتدأ والخبر ،
والفاعل ، والمفعول به.
أما ما يصطلح عليه النحاة (ظرفا) فهو المعنى الوظيفي النحوي أي
(المفعول فيه) فالظرف إذن (وظيفة) نحوية كوظيفة (المفعول به) و (المفعول معه)
والحال و المستثنى و (النعت) وغيرها من معان وظيفية ، فكما لا يصح لنا أن نجعل
(النعت) قسما من أقسام الكلمة في مقابل الاسم
والكناية والصفة ، لانه وظيفة نحوية تقوم بها كلمات من فصيلة (الصفات) : كالعالم
والاديب ، أو من فصيلة (الاسماء) : كالاب والام والزوجة ، أو من فصيلة الكنايات
:كهذا والذي واللائي ، كذلك لا يصح لنا اعتبار (الظرف) قسما مستقلا لانه وظيفة
نحوية تقوم بها فصيلة الاسماء الجامدة ، كيوم ، وشهر ، والمشتقة كمقتل ومطعم وغروب
وشروق ، كما تقوم بها كلمات من فصيلة (الكناية) مثل ـ هنا وثم ـ وهما من الاشارة ،
و (متى وأين) وهما من كنايات الاستفهام.
والدكتور تمام حسان يدرك ذلك كله ، لذلك لم يجعل مما سماه ظرفا
أسماء الزمان والمكان ، والمصادر ، ولا أسماء الاعداد ، والاوقات ، وأسماء الجهات
وغيرها مما يقوم بوظيفة الظرف وحصر هذا القسم في كلمات ثمانية فقط هي : (إذ ، وإذا
، ولما ، وأيان ، ومتى ـ وهي للزمان ـ وأين وأنى وحيث ـ للمكان)
هذه الكلمات وإن قامت بوظيفة الظرف الزماني والمكاني ، إلا أنها
من فصيلة ماسميناه بالكناية، يدل على ذلك اعترافه هو بأن (هذه الظروف تؤدي وظيفة
الكناية عن زمان أو مكان)
[46]ولو أنه عكس ذلك فقال : (هي كنايات تؤدي وظيفة الظرف الزماني
أو المكاني) لكان أقرب إلى السلامة.كما يدل على ذلك تسليمه بأنها (ذات افتقار إلى
مدخول لها يعين معناها الزماني المبهم[47]) أي
أنها غير مستقلة ـ كما تقدم ـ وأهم ما يميز (الكناية) عن غيرها خاصيتان ؛ الاولى :
أنها كالحرف من ناحية عدم استقلالها بالمعنى وافتقارها إلى الغير في تحديد معناها
، والثانية :أنها كالاسم من ناحية تحملها وظيفة العنصر المرتبط لا العنصر
الرابط.
ب) الخالفة.
والخالفة كما قال الدكتور حسان : مصطلح أطلقه الفراء على اسم
الفعل ، واعتبره أحمد بن صابر الاندلسي قسما رابعا للكلم.
ولكن الدكتور تمام وسع من دائرة (الخالفة) فجعلها شاملة لاربعة
خوالف : خالفة الاخالة وهي عنده اسم الفعل ، و خالفة الصوت أي أسماء
الاصوات و خالفة التعجب أي الصيغتان القياسيتان للتعجب : ما أحسن زيدا ، وأحسن
بزيد. و خالفة المدح والذم : نعم الرجل زيد ، وبئست المرأة هند.
والذي جعله يوسع دائرة الخالفة بحيث شملت صيغ التعجب والمدح
والذم ، أن لها جميعا كما يقول طبيعة الافصاح الذاتي عما تجيش به النفس ، فكلها
يدخل في الاسلوب الانشائي. والذي يؤخذ عليه في ذلك
:
1)
إننا ، في مجال
التقسيم ، نكون بصدد التمييز بين الكلمات والصيغ المفردة ، لا الجمل المركبة ،
والافصاح الذاتي والاسلوب الانشائي في التعجب والمدح والذم ، ليس وليد الكلمة
المفردة (أحسن) أو نعم أو بئس وإنما هو وليد الجملة كاملة ، فقياسية التعجب مثلا
(قياسية جملية وليست إفرادية ، ولذلك لو غيرنا في هيئة الجملة (ما أحسن زيدا)
شيئا يسيرا كأن نقول : ما أحسن زيد لتغير اسلوب التعجب ومعناه إلى اسلوب النفي ،
مع أن صيغة الفعل كما هي لم تتغير فصيغة التعجب إذن صيغة جملة لامفرد ، ونحن بصدد
تقسيم الكلمات المفردة لاالجمل ، وإلا فكان ينبغي له أن يذكر من الخوالف جملة (لله
دره فارسا) لان فيها نفس الافصاح الذاتي والاسلوب الانشائي.
والذي يبدو أن الكلمات المفردة في صيغ التعجب ، والمدح والذم ،
باقية على النزاع المتوارث بين البصريين والكوفيين في إسميتها أو فعليتها ، ولعلي
أميل إلى ما ذهب إليه بعضهم من فعليتها وتخلفها عن طبيعة أخواتها في المعنى وفي
الاشتقاق ، فجمدت على حالة واحدة واستعمال معين ، وفي صيغ الافعال المتخلفة نظائر
لهذه الافعال مثل عسى و ليس و آض و مادام وغيرها مما لا مضارع لها ، ومثل (يذر ،
ويدع) مما لا ماضي لها.
والافعال الناسخة عموما فقدت (فعليتها) من ناحية المادة وبقيت
الصيغة وحدها لتدل على أنها تحدرت عن أفعال. واختصت هذه الافعال باستعمال معين
يجعلها أشبه بالادوات هو الدخول على الجمل الاسمية لاضافة معنى الزمن إليها ، ومع
ذلك فأكثر النحاة لا يستطيعون تصنيفها في غير فصيلة الافعال وإن خلت من الدلالة
على الحدث.
2)
أما ما سماه بـ (خالفة الاخالة) أي اسم الفعل ، فهو عند النحاة
ثلاثة أنواع :
أأ) نوع قياسي وهو ما جاء على صيغة
(فعال) كنزال بمعنى (إنزل) وحذار بمعنى (إحذر) وهذا النوع أطلق عليه البصريون فقط
اسم الفعل ، وإلا فهو عند الكوفيين فعل أمر حقيقي ، يصاغ بصورة قياسية من الثلاثي
المجرد ، وهو رأي لا غبار عليه.
أ.ب) المنقول ، وهو ما نقل عن المصدر
، والظرف ، والجار والمجرور ، مثل
: (رويدك ، وأمامك ، وعليك) فإنها لا
تزال في تصنيفها مع الاسماء والحروف ، ولكنّها نابت عن الفعل المحذوف الذي استغني
عنه لظهوره ، كما ينوب المصدر (ضربا زيدا)
عن فعل الامر ويبقى (مصدرا) ،
وكما ينوب الظرف والجار والمجرور عما يتعلقان به من فعل أو وصف مقدر.
أ.ج) أما النوع الثالث وهو : اسم
الفعل المرتجل ، مثل : هيهات ، وشتان ، وصه ومه ، وأمثالها مما يسميه البصريون
(اسم فعل) ويسميه الكوفيون (أفعالا شاذة) أي أنها لم تسلك سبيل الافعال في تصرفها ولا في
صياغتها ولا في اتصالها باللواحق ، وكل ما للبصريين من دلالة على إسميتها أن
التنوين يدخل بعضها مثل (صهٍ ، ومهٍ ، وافٍ وآهٍ) والتنوين علامة الاسم ، ويرد
الكوفيون : أن هذا التنوين ليس دليل إسميتها ، لانه ليس تنوين تنكير ، بل تنوين
يراد به تكبير حجم الكلمة المؤلفة من حرفين لتكثر أصواتها وتلحق بالثلاثي ، الذي
صار الوحدة الكمية في العربية ، ولذلك لا يقع التنوين في هيهات وشتان مما زاد
بناؤه على حرفين[48]. ونخلص
من ذلك إلى أنه ليس هناك شيء اسمه (إسم الفعل) لنجعله (خالفة) إخالة.
3) أما (خالفة
الصوت) فهي (أصوات) فقط يراد منها زجر الحوان أو حكاية صوته ، ولا تدخل في طبيعة
مفردات اللغة باعتبارها واسطة نقل الافكار من ذهن إلى ذهن ، ولا تدخل في الجمل
العربية للقيام بوظيفة الرابط أو المرتبط فيها ، إلا على سبيل الحكاية.
وإذا كان لابد من اعتبار (كخ) للطفل و (هج) للغنم وأمثالها
مفردات لغوية للتعبير عن الزجر أو الحث ، فهي لا تخرج في معناها عن (صه ومه)
وأمثالها مما اعتبرناها أفعالا متخلفة أو أفعالا شاذة.
الباب
الثالثالث
الأختتام
الخلاصة
حيث
ما بين من هذه المقالة، فأعطى الكاتب تلخيص منها :
أ.
قسم القدماء كلم
العربية أقساماً ثلاثة هي : الاسم ، والفعل ، والحرف، بل إنّ ابن فارس نقل إجماع
النحاة على هذه القسمة، لكن بعض النحاة بعد ابن فارس نقلوا أنّ أبا جعفر بن صابر
عدّ في الكلم قسماً رابعاً سمّاه "الخالفة".
ب. الأسس اعتماد فى تصنيف
الكلم هى :
1.
الأساس التوزيعي يعني
السوابق واللواحق الخاصة بالأسماء،كأن يسبق الكلمة دون فاصل حرف من حروف الجر،أو
يلحق بها تنوين التمكين،أو ياء النسب.
2.
الأساس الاستبدالي يعني
أن تقع الكلمة أو الضميمة موقع اسم جنس في
سياق لغوي صحيح.
3.
الأسـاس الوظيفي
(النحوي) يعني أن تقع الكلمة مبتدأ،أو فاعلاً،أو مفعولاً،أوفي أيّ موضع تختص به الأسماء فتؤدي وظيفته النحوية.
4.
الأساس الصرفي. يعني
أن تـثنى الكلمة،أو تجمع تصحيحاً،أو تكسيراً،أو تصغّر أو تؤنث.
5.
الأساس الدلالي يعني
أن تـدل الكلمة على معنى في نفسها من غير اقتران بزمان محصل.
ج. وأما
المحدثين قسم الكلم إلى نوعين بعد الأقسام
قائمة
المراجع
ابن جني ، أبو
الفتح عثمان (اللمع في العربية) تحقيق
حامد المؤمن ، بيروت ، عالم الكتب،مكتبة النهضة العربية،ط2 ،1405هـ – 1985م .
ابن السراج ،
أبو بكر محمد بن سهل (الأصول في النحو) تحقيق عبد الحسين الفتلي ، بيروت مؤسسة
الرسالة ، ط4 ، 1420هـ – 1999م ، ج1.
ابن فارس ،
أبو الحسين أحمد بن فارس بن زكريا الرازي (الصاحبي في فقه اللغة العـربية ومسائلها
وسنن العرب في كلامها) تحقيق عمر فاروق الطبّاع ، بيروت ، مكتبة المعارف ، ط1 ،
1414هـ-1993م .
ابن هشام
الأنصاري (شرح اللمحة البدرية في علم العربية لأبي حيان الأندلسي) تحقيق صلاح
روّاي ، مصر دار مرجان ، ط2 ، د . ت . ج1.ص 162 .
ابن
يعيش الصنعاني،سابق الدين محمد بن علي بن أحمد: (التهذيب الوسيط في النحو) تحقيق فخر صالح سليمان
قدّارة،بيروت،دار الجيل، ط1 ، 1411هـ
السيوطي
، جلال الدين عبد الرحمن بن أبي بكر( همع
الهوامع في شرح جمع الجوامع ) تحقيق أحمد شـمس الدين،بيروت،دار الكتب
العلمية،ط1، 1418هـ-1998م ج1.
الأنباري ،
عبد الرحمن بن محمد بن عبيد الله (أسرار العربية) تحقيق محمد حسين شمس الدين ،
بيروت ، دار الكتب العلمية ، ط1 ، 1418هـ-1997م . ص 27
المبرد
،أبو العباس محمد بن يزيد(المقتضب) تحقيق محمد عبد الخالق عضيمة،بيروت،عالم
الكتب د .ت. ج1.
السيرافي
، أبو سعيد الحسن بن عبد الله (شرح كتاب سيبويه) تحقيق رمضان عبد التواب وآخرين ،
مصـر الهيئة المصرية العامة للكتاب ، 1986م ، ج1.
الصـفّار
، أبو الفضل قاسم بن علي بن محمد الصـفّار البطليوسي : (السفر الأول من شرح كتاب
سيبويه) تحقيق معيض بن مساعد العوفي ، المدينة المنورة ، دار المـآثر ،ط1 ،
1419هـ-1998م ج1.
الفارسي ، أبو
علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار (التعليقة على كتاب سيبويه) تحقيق عوض بن حمد
القوزي القاهرة ، مطبعة الأمانة ، ط1 ، 1410هـ-1990م ، ج1.
الأشموني، علي
بن محمد: (شرح الأشموني على ألفية ابن
مالك المسمى منهج السالك إلى ألفيـة ابن مالك).تحقيق محمد محيي الدين عبد
الحميد، مصر،مطبعة مصطفى البابي الحلبي،ط2،1358هـ-1939م،ج1.
تمام حسان، اللغة العربية معناها ومبناها. مطابع الهيئة المصرية.
دون السنة.
سيبويه ، أبو
بشر عمرو بن عثمان بن قنبر (كتاب سيبويه) تحقيق عبد السلام هارون ،بيروت ،دار
الجيل ،ط1 د . ت . ج1.
مهدي المخزومي. في النحو العربي ، قواعد وتطبيق، قاهرة : مطبعة
مصطفى الحلبي. دون السنة.
نحلة،محمود
أحمد: (الاسم والصفة في النحو العربي والدراسات الأوربية) الإسكندرية ، دار
المعرفة الجامعية،1994م.
[1] سيبويه ، أبو بشر
عمرو بن عثمان بن قنبر (كتاب سيبويه) تحقيق عبد السلام هارون ،بيروت ،دار الجيل
،ط1 د . ت . ج1 ص 12
[2] ابن هشام الأنصاري
(شرح اللمحة البدرية في علم العربية لأبي حيان الأندلسي) تحقيق صلاح روّاي ، مصر
دار مرجان ، ط2 ، د . ت . ج1.ص 162 .
[3]
السيرافي
، أبو سعيد الحسن بن عبد الله (شرح كتاب سيبويه) تحقيق رمضان عبد التواب وآخرين ،
مصـر الهيئة المصرية العامة للكتاب ، 1986م ، ج1. ص 53 .
[6]
الصـفّار
، أبو الفضل قاسم بن علي بن محمد الصـفّار البطليوسي : (السفر الأول من شرح كتاب
سيبويه) تحقيق معيض بن مساعد العوفي ، المدينة المنورة ، دار المـآثر ،ط1 ،
1419هـ-1998م ج1. ص 220 .
[9] الفارسي ، أبو علي
الحسن بن أحمد بن عبد الغفار (التعليقة على كتاب سيبويه) تحقيق عوض بن حمد القوزي
القاهرة ، مطبعة الأمانة ، ط1 ، 1410هـ-1990م ، ج1. ص 16 .
[17] نحلة،محمود أحمد:
(الاسم والصفة في النحو العربي والدراسات الأوربية) الإسكندرية ، دار المعرفة
الجامعية،1994م. ص 15.
Tidak ada komentar:
Posting Komentar
Berikan Saran Anda