1-
تعريف علم الكلام
الكلام لغة: حدثه، و كالم مكالمة، أي ناطقه وجاوبه. تكالما الرجلان
أي تحدثا بعد تهاجر[1].
ويقال الكلام: الأصوات المفيدة. وعند المتكلمين: المعنى القائم بالنفس الذي يعبر
عنه بألفاظ، وفي اصطلاح النحو: الجملة المركبة المفيدة[2].
واصطلاحا عرف العلماء علم الكلام بتعريفات عديدة، ومن اشهر التعريفات
هي:
تعريف الفاربي، علم الكلام هو: صناعة، هو ملكة يقتدر بها الإنسان،
على نصرة الآراء والأفعال المحدودة التي صرح بها واضع الملة، وتزييف كل ماخالفها
بالأقاويل[3].
وكذالك تعريف عضد الدين الإيجي حيث يقول إن علم الكلام علم يقتدر معه
إثبات العقائد الدينية بإيراد الحجج ودفع الشبه، والمراد بالعقائد ما يقصد به نفس
الاعتقاد دون العمل، وبالدينية المنسوبة إلى دين محمد عليه السلام، فإن الخصم وإن
خطأناه لانخرجه من علماء الكلام[4].
كما يعرفه ابن خلدون بأنه هو: علم يتضمن الحجاج عن العقائد الإيمانية بالأدلة
العقلية، والرد على المبتدعة المنخرفين في الإعتقادات عن مذهب السلف وأهل السنة،
وسر هذه العقائد الإيمانية هو التوحيد[5].
وقال عبد الهادي علم الكلام هو العلم الذي يبحث فيه عن اثبات أصول الدين الاسلامي
بالأدلة المفيدة لليقين بها[6].
فمن التعريفات السابقة يمكننا القول أن علم الكلام هو علم يقتدر معه
على اثبات العقائد الدينية بإيراد الحجج ودفع الشبه، يهتم ذالك مسائل الإعتقاد مثل
التوحيد والصفات والقدر والنبوة والبعث والمعاد والرد على من أنكر ذلك بالبراهين
العقلية والنقلية.
يتوفر
علم الكلام على بحث ودراسة مسائل العقيدة الإسلامية الحقة بإيراد الأدلة وعرض
الحجج على اثباتها، ومناقشة الاقوال والآراء المخالفة لها، ومحاكمة أدلة تلكم الأقوال
والآراء، واثبات بطلانها، ونقد الشبهات تثار حولها، ودفعها بالحجة والبرهان.
2-
تسمية علم الكلام
وقد تعددت الآراء حول اسباب تسمية علم
الكلام:
1.
أن يرى البعض أنه سمي "علم الكلام"
لأن موضوعاته قد عونت "بالكلام في كذا"
2.
أو لأن اكثر موضوعاته شهرة وهو المتعلق بالكلام،
فمشكلة خلق القرآن كانت نقطة صدام كبرى في التاريخ الفكري للمسلمين، وقد حدثت في
عهد الخليفة العباسي المأمون، وكانت له آثار عميقة امتدت في الحياة الفكرية
الاسلامية لفترات طويلة.
3.
أو لأن هذا العلم كالمنطق للفلسفة يورث قدرة
على الكلام في التشريعات والزام الخصوم.
4.
أو لأن منهجه جدلي قائم على الكلام والحوار
والأخذ والرد بين المختلفين.
5.
أو لأن أقوى العلوم برهانا.
6.
أو لأنه لقوة أدلته العقلية والسمعية يؤثر في
القلب تأثيرا شديدا، فسمي بالكلام المشتق عن "الكلام" وهو الجرح[7].
3-
فوائد والأغراض في دراسة علم الكلام:
1.
معرفة أصول الدين معرفة علمية قائمة على أساس
من الدليل والبرهان.
2.
القدرة على اثبات قواعد العقائد بالدليل
والحجة.
3.
القدرة على ابطال الشبهات التي تثار حول قواعد
العقائد[8].
4.
نشر العلم والمعرفة الصحيحة
5.
حماية العقيدة من التحريف
6.
تعميق الإيمان وزيادته
7.
رجاء هدية الناس
8.
محاربة الجهل والخرافة والشرك بالله تعالى
9.
تحصين المجتمع من العقائد والتيارات المنخرفة
10. المحافظة على وحدة المسلمين وعدم
التفرق في اقامة شعائر الدين
11. إيقاظ الفطرة ودلالتها على الخير
فالإنسان مولود على فطرة اللإسلام وهي السلامة من الاعتقادات الباطلة والقبول للعقائد
الصحيحة[9].
4-
العوامل التي اثرت في تطور علم الكلام
أولا:
الإلتقاء بأصحاب الديانات والمذاهب الأخرى
لقد بدأت الدولة الإسلامية منذ عصر خلفاء الراشدين توسع فتوحاتها،
وترفع درجة الإسلام في في تلك الديار المفتوحة وتتزيح عروش الكفار والظالمين، وبدأ
الناس يدخلون في دين الله أفواجا. وكثرت الداخلون في دين الإسلام من سائر الأديان
والنحل.
ولاشك
أنه كان من بين تلك الجموع أناس لم يترسخ العقيدة في قلوبهم ولم يتمكن الإسلام من
نفوسهم، وكانو قد دخلوا الإسلام وهم يحملون شيئا من رواسب دياناتهم السابقة من
نصرانية ومجوسية وغيرها مما كان له الأشراف في اثارة بعض المسائل البدعية، ويكفي
ذالك مثلا ما حصل على يد غيلاني الدمشقى الذي كان قبطيا فأسلم واشتهر عنه الكلام
في القدر.
ثانيا:
حركة الترجمة
لقد كانت حركة الترجمة من اهم العوامل
فب التأثير في منهج أهل الكلام في العقيدة، وذالك لما اثارته وأفرزته ونشرته من
المصطلحات والمباحث الفلسفية البعيدة عن القرآن والسنة ومنهج سلف السنة[10].
ثالثا:
البعد عن الكتاب والسنة والجهل بهما
وذالك أن معظم اهل الكلام اعتمدوا على الفلسفة والمنطق وجهلوا نصوص
القرآن والسنة. فكان هذا سبيا في تماديهم في الكلام وإيراد الحجج العقلية من غير
نص ولا دليل.
رابعا:
ضعف الإيمان في النفوس
وذالك لأنه إذا ضعف إيمان الشخص قل
تعظيمه لكلام ربه وكلام نبيه وسهل عليه معارضتهما بالحجج العقلية والشبهات
الإلحادية، بل لايجد حرجا في رد كل حديث وتحريف معنى كل آية لا توافق هواه ومعتقده
كما أن ضعف الإيمان يحبب للإنسان كثرة الجدل والمناظرة بالباطل، لا لأجل الوصول
إلى الحق. بل يخوض المعارك الكلامية بهدف الإنتصار غلى الخصم ولو وضح له أن الحق
مع خصمه[11].
5-
مناهج في دراسة علم الكلام
منهج البحث في علم الكلام أو الطريقة
التي تعتمدها في دراسة مسائله وقضاياه، افكاره ونظريته، يختلف باختلاف وجهات نظر
علمائه ومدارسه التي تعرف بالفرق الكلامية في المنهج الذي ينبغي أن يتبع في دراسة
وبحث الفكر الديني.
ويتلخص هذا في أن للمذاهب الكلامية
خمسة مناهج معتمدة في البحث والدراسة، وهي: المنهج النقلي، والمنهج العقلي، و
المنهج التكاملي، و المنهج الوجداني، و المنهج العرفاني.
أ.
المنهج النقلي:
ويتمثل
الإعتماد على:
1.
اجماع الأمة
2.
اجماع الصحابة
3.
سيرة الصحابة
4.
اجماع السلف، وهم مسلموا القرن الأول الهجري
5.
الخبر المتواتر
6.
خبر الواحد المتلقي بالقبول، وعند بعضهم، خبر
الواحد مطلقا
7.
الأخذ بالنص الشرعي، قرأنا أوحديثا بحمله على
ظاهره الحقيقي من غير تأويل.
8.
عدم جواز الحمل على المجاز.
9.
التوقف في اعطاء الرأي[12].
ب.
المنهج العقلي:
ويتمثل
في الإعتماد على:
1.
الضرورة العقلية (بداهة العقول)
2.
سيرة العقلاء
3.
البديهيات العقلية (المنطقية) وهي: استحالة
الدور واستحالة التسلسل، واستحالة اجتماع وارتفاع النقيضين.
4.
المبادئ الفلسفية المسلم بها.
5.
اعتبار النصوص الشرعية مؤيدة ومؤكدة لمدركات
العقل واحكامه.
6.
تأويل النصوص الشرعية التي تخالف بظاهرها
مرئيات العقول وفق مقتضيات القرينة العقلية.
7.
الأخذ بالمتشابه بتأويله في ضوء ما ينهي اليه
النظر اليه النطر العقلي. وهو منهج المعتزلة ومن تأثر به[13].
ج.
المنهج التكاملي
ويتمثل
في الإعتماد على:
1.
الجمع بين العقل والنقل لأنه لاتعارض بينهما في
الحقيقة والواقع.
2.
الأخذ بظاهر النص ان كان مجردا من القرائن
الصارفة، ولم يتعارض والضرورة العقلية، والا ففي ضوء ما يقترن به من قرائن نقلية
أو عقلية، لفظية أو معنوية.
3.
آيات القرآن يفسر بعضها بعضا ويقرن بعضها
البعض.
4.
السنة القطعية تقرن القرأن وتفسره.
5.
الأثر المنقول لا يعارض القرآن حتى ولو كان
صحيحا وفق قواعد علمي الرجال والحديث.
فإذا لايمكن تأويله، تسقطه المعارضة من الاعتبار.
6.
جواز التأويل عند وجود ما يقتضيه.
7.
الحمل على المجاز مع وجود القرينة الداعية
لذالك.
8.
تفسير المتشابه بالحكم أو تأويله في ضوء
المعقولات المرعية. وهو منهج الامامية والاشاعرة ومن سار في هديهما[14].
د.
المنهج الوجداني
ويتمثل في اعتماده على سلوك الطرق المؤدية الى تصفية الباطن واستكمال
الظاهر، بنية الفناء في الوصول إلى مرحلة الحب الالهي. وهو منهج الصوفية[15].
هـ.
المنهج العرفاني
وهو منهج تكاملي ايضا يتمثل في الإعتماد على الجمع بين العقل والنقل
والوجدان، فيأخذ من كل يطرف في حدود ما يتوصل به إلى مستوى المعرفة المطلوبة. وهو
منهج الاسماعلية، ونهجه ايضا غير واحد من علماء الفرق الأخرى[16].
6- سيرة
أبو حسن الإمام الأشعري (260-324 ه)
هو
الإمام أبو الحسن علي بن إسماعيل بن أبي بشر إسحاق بن سالم بن عبد الله بن موسى بن
إسماعيل بن أبي بلال بن أبي بردة بن موسى الأشعري عبد الله بن قيس بن الحضر. وكان
أبو موسى الأشعري أحد الصحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم الشهيرة . وهو أبو
الحسن الأشعري، رحمه الله ولد في عام 260 ه في البصرة بلد العراق. وهو معروف من
قبل بقناعته وزهده.
أساتذته:
أخذ
العلم الكلام من زوج والدته، و علي أبو الجبائي، قائد المعتزلة. عندما خرج من
تفكير المعتزلة، إمام أبى حسن رحمه الله يدخل مدينة بغداد وأخذ الحديث من زكريا بن
يحيى الساجى، ويتعلم إلى أبى الخليفة الجماهى، سهل بن نوح، محمد بن يعقوب المقرئ،
عبد الرحمن بن خلف البصري، وعلماء طبقة لهم. توبة من المعتزلة العقيدة الحافظ ابن
عساكر في كتابه "التبيين الكاذب المفترى فيما نسب إلى أبى حسن الأشعرى"،
وقال أبو بكر محمد بن اسماعيل القيروانى، حقا أبو الحسن الأشعري فكر المعتزلة في
البداية اتبعت لمدة 40 عاما ويصبح كاهنا هو لهم. عند نقطة واحدة انه تراجع من
البشر لمدة 15 يوما، وبعد ذلك عاد الى البصرة، ويصلى في البصرة في المسجد الجامع فى البغداد". بعد صلاة
الجمعة، صعد إلى المنبر وقال: يا أيها الناس إننى أنا أختفي من كنت في الأيام التي
سبقت، كما أرى مشكلة في أن حججه هي بنفس القدر من القوة بحيث لا أستطيع أن أقرر أي
من الحق والباطل الذي، ثم أتوسل إلى الله سبحانه وتعالى تعليمات، وكان أسلوب ذلك
ان الله اعطاني التعليمات التي كتبت في هذا الكتابى ، أنا نفسي من إزالة كل ما من
قبل، وأعتقد، وكما قلت هي إزالة ملابسي.
خلع
قميصه وسلمه الكتب إلى الناس. عندما قرأ أهل الحديث والفقه الكتب التي تأخذ ما جاء فيه، وأنها تعترف موقف
العليا في أبو حسن الأشعري وجعلها عالما كثير القدوة. واتفق خبراء الحديث أن أبا
الحسن الأشعري هو واحد من اهل الحديث.
لقد
جادل العلماء عن عقائد للإمام أبى حسن الأشعريّ كما يلى:
1.
وقال أبو بكر بن فوراق، " أن أبا الحسن الأشعري خرج من
فكر المعتزلة، ويتبع أمكار الأصحابى فى. 30
هجرة "
2.
أبو العباس أحمد بن محمد بن خالق يقول في كتابه "وفاية
العيان"[17]
"يعتقد أبو الحسن الأشعري المعتزلة في البداية ثم بعد ذلك يتركهه ويتوب".
3.
الحافظ ابن كثير يقول في كتابه البداية والنهاية)[18](
، "حقا، أبو الحسن الأشعري هو
البداية المعتزلة التفكير ثم يتوبون من المعتزلة في البصرة في المنبر".
4.
قال تاج الدين السبكي في كتابه الطبقة الشافعية الكبرى[19]
"ملئ أبو الحسن الأشعري عن المعتزلة 40 عاما يعتقد أن مجموعة المعتزلة خطأ .
عندما أراد الله للدفاع عن دينهم وإخلاء صدره للإتباع لمؤسسة الحق".
5.
ذكر مرتضى الزابدى فى كتابه "الإتحاف سادات المتقين"
بشرح أسرار إحياء علوم الدين[20]،
" أخذ أبو الحسن الأشعري علم الكلام من شيخه علي أبو الجبائي (شكل المعتزلة)،
ثم صعد انه يعتقد المعتزلة أن يترك لأنه رأى حلما، وقال انه خرج من المعتزلة ظاهرا
، وصعد على المنبر يوم الجمعة، ودعا بصوت عال، "هو الذي اعترف لي بعد ذلك حقا
أن أعرف من أنا ومن الذين لا يعرفون لي بعد ذلك أنني كنت علي بن اسماعيل، الذي كنت
أقول بأن القرآن مخلوق، أن الله لا يمكن ان ينظر إليها في العالم القادم مع العيون،
وعلى أن عباد خلق أعمالهم. وها أنا الآن قد تبت من المعتزلة التفكير والاعتقاد
نفيهم لذلك أكثر، 'ثم أخذ في تجادل معهم وكتابة يختلف تفكيرهم.
وقد
ذكر العلماء أن الشيخ أبو الحسن الأشعري على ثلاث مراحل من التفكير:
فكر المعتزلة المتابعة الأولى
التي تم الخروج منه.
المجموعة من سبع خصائص
العقلية، وهي القدرة، والإرادة، والعلم،
والحياة، والسمع، والبصر، والكلام.
وضع جميع صفات الله بدون تكييف
وتشبيه حسب المنهج التي هي طريقته في كتابه الإبانة الذي كتب في وقت لاحق.
طلابه
بين
طلابه كان أبو الحسن الباهلي، أبو الحسن كرماني، أبو زيد المروزي، أبى عبد الله بن
مجاهد البصري، بندار بن حسين الشيراجى، أبو محمد العراقي، زاهر بن أحمد الشرخسى،
أبو سهل السعلكى، أبو نصر الكواز الشيراجى ،وغيرهم .
كتبه
ولأبي
الحسن الأشعاري كتب كثيرة تربو على التسعين كتابا، بعضها قد فقد وما زال البعض
الاخر مخطوطا لم ينشر بعد. أما الكتب التي خرجت إلى حيز الوجود من خلال نشرها
وتدولها فمنها: مقالات الإسلاميين واختلاف المصلين، الإبانة عن أصول الديانة، كتاب
اللمع.
ويعد
كتاب المقالات للأشعري من الكتب الرئيسية والهامة، التي لاغني عنا لأي دارس لعلم
الكلام. لأن الأشعاري في هذا الكتاب قد أخذ بمنهج العالم الموضوعي الذي يعرض آراء
الخصوم عرضا موضوعيا أمينا. ومع أن مؤلف الكتاب أشعري الا أنك لاتجد رأيا للأشاعرة
في هذا الكتاب الا نادرا.فالكتاب ألف لعرض آراء الفرق الاخرى في المقام الاول.
ولذلك يصعب على الدارس أن يعرف موقف الأشعري من هذا الكتاب، بل عليه أن يلجأ إلى
كتاب "اللمع" فهذا الكتاب مع أنه صغير في الحجم، الا أنه هام للغاية إذ
اجاد فيه الاشعري عرض رأيه والدفاع عنه مرتبا القضايا التي عرض لها ترتيبا منهجيا
لابأس به[21].
وأما كتبه الاخرى غير مشهورة منها: رسالة الى
أهل الغر، الموجز العماد فى رأية، فصول فى ردّ على الملحدين، آداب الجدال، الجواب
الجرجانيين، تفسير القرآن المختزن، وغيره.
7- منهج
الأشعاري في علم الكلام
انتهج الأشعاري منهجا وسطا بين النقليين والعقليين، وسطا بين الغلو
السلفي، والغلو المعتزلي، فالأشعاري يعولون على النقل أي على نصوص القرآن الكريم
والسنة الصحيحة وتعاليم السلف تعويلا كبيرا، يأخذونها على ظاهرها، ولا يألون إلا
اذا اقتضت الضرورة ذالك، فهم وإن تحرزوا من التأويل لكنهم لايرفضون، فهناك من
النصوص ما لايدرك معناه الحقيقي الا بالتأويل، وهنا يلجأون إلى العقل حيث تكون
هناك ضرورة ملحة[22]،
فالأشعري مثلا يثبت الوجه، واليد، والاستواء، لكن بلا "كيف"، أي ينفي
المماثلة بين المخلوق والخالق[23].
ولا يرفض البغدادي تأويل "وجهه تعالى" على أنه ذاته، و"عينيه"
على أنها رؤيته للأشياء، و"يده" على أنها القدرة، و"الاستواء"
على أنه الملك[24].
وكذا الجويني امام الحرمين يرفض أن يأخذ الآيات التي تشير إلى اليد، والوجه،
والعين على وجهها الظاهر، لأنه يرى أن ذالك متابعة للحشوية[25].
وهذا مانجده عند معظم متأخر الأشعرية، من ميلهم إلى التأويل دون الإسراف فيه إسراف
العقليين.
فالمنهج الأشعري الوسط لم يمنع أحيانا بعض مفكري الأشعرية المتأخرين
من الميل إلى التأويل على العقل، لكن هذا الميل لايجعلهم يحسبون على العقليين،
ذالك لأن الإلتزام بالمنهج الوسط لايكون تاما في مجال الفكر، هذا فضلا عن أن
متأخري الأشعرية، منذ عصر الغزالي، قد دخل في ثقافتهم عنصر جديد، هو العنصر
الفلسفي، الذي اصبح منذ ذالك الوقت عنصرا مهما من عناصر تكوينهم العلمي.
هذا العنصر الفلسفي سيطر على معالجتهم للمشللات الكلامية، فمالو الى
استخدام التقسيمات الذهنية، وتوسعوا في استخدام المصطلحات الفلسفية، حتى صار على
الكلام عندهم ابتداء من فخر الدين الرازي فلسفيا بشكل ظاهر، ولاشك أن ذالك أكسبهم
قوة الحجة، وعمق الاستدلال، والتحديد للمصطلحات الكلامية.
ولا يعني هذا أن الفلسفة لاقت رواجا وقبولا عند متأخر الأشعرية، بل
العكس هوالصحيح، لقد وقفوا منها موقف العداء، واشتغل بعضهم بالرد عليها، كالغزالي
والشهرستانى وغيرهما، فكلاهما هاجم الفلسفة اليونانية ومن اقتفى أثرها من مفكر
الإسلام، وبخاصة ابن سينا، لكنهم لكي يهاجموا الفلسفة لابد لهم من دراستها
والاطلاع عليها، فاستفادوا من هذه الدراسة كثيرا من الأفكر والمصطلحات الفلسفية،
التي تتلاءم ثقافتهم الكلامية[26].
8- خطة أبي حسن الأشعرى فى علم الكلام
وقد سار الأشعرى فى كتابه الإبانة على خطة البحث[27]
الآتية وهي كما يلى :
1.
خطبة تضمنت
بيان موضوع الكتاب وأسباب تأليفه.
2.
بيان مضمون
العقائد الباطلة التى يراد ردها.
3.
سرد مقرون
بالأدلة لعقيدة أهل الحق.
4.
باب فى الكلام
على غثبات رؤية بالأبصار ورد الشبه حول
هذا الموضوع.
5.
باب فى الكلام
على إثبات أن القرآن كلام الله غير مخلوق، ورد الشبه حول هذا الموضوع وذكر كلام
السلف فى اثبات ذلك والرعد على من قال أنه مخلوق أو توقف فى ذلك.
6.
الكلام على
اثبات استواء الله على العرش وما يتبع ذلك من اثبات علوه تعالى على عرشه والرعد
على الشبه حول هذا الموضوع.
7.
تقرير الكلام
على عدد من الصفات وهى الوجه والعينان والبصر واليدان وبيان ومذاهب السلف فى ذلك
والاستدلال عليه والرعد على نفاتها.
8.
الرعد على الجهمية
فى نفيهم للعلم والقدرة وجدميع الصفات وايراد يذبعض الشبه و الاعتراضات وردها.
9.
مبحث خاص
بالإرادة والرد على عقيدة المعتزلة فيها وإيراد الشبه و الاعتراضات حول صفة
الارادة وردها.
10.
الكلام على
مباحث القدر كأفعال العباد والاستطاعة والتعديل والتجوير وفرض الشبه والرعد عليها.
11.
الكلام على
عدد القضايا تتعلق بالقدر وهي التكليف،
وإيلام الأطفال، والختم والآجال، والأرزاق، والهدى، والضلال، والتعليق على المشيئة
(الاستثناء) وذكر ما ورد عن السلف حول القدر واثباته بالدليل.
12.
الكلام على
بعض ما يتعلق بالموت وعذاب القبر وبعض مايتعلق باليوم الآخر كالشفاعة، وأهل
الكبائر وتقرير مذهب أهل السنة فى ذلك وذكر الحرض وأدلته.
الكلام على
خلافة أبي بكر الصدق رضي الله عنه وأدلة ذلك من الكتاب و السنة وذلك عن طريق
الكلام على فضل الصحابة ومدح الله وتزكيته لهم ثم إجماعهم على خلافة أبي بكر رضي ا
لله عنه.
9-
آراء أبو حسن
الأشعرى في علم الكلام
أما فيما يتعلق بقضية الايمان رأى أن
الخوارج تكفر مرتكب الكبيرة. و المعتزلة ترى أنه ليس كافرا وليس مؤمنا بل هو فاسق.
أما الأشاعرة فلها رأيها "(التوفيقى) أن صح التعبير والذى اعتمدت على النص
الدينى.
فعند الأشعرى يجد ان الإيمان هو
التصديق بالقلبى و اللسان[28].
وحتى اذا ارتكب الانسان المسلم معصية فإنها لاتجمله كافرا انه يظل مؤمنا مخطئا. أنها لمن تخرجه من
ذمرة المؤمنين : فالمؤمن مؤمن بايمانه عاص بمعصيته فاسق بفسقه. أما القول بأنه لا
يؤمن و لا كافر بأمر يرفضه الأشعري.
يقول أبو الحسن الأشعرى فى كتابه
(اللمع) لو كان الفاسق لا مؤمنا ولا كافرا لم يكن منه كفر ولا ايمان، ولكن لا
موجود ولا ملحدا ولا وليا ولاعدوا. فلما استحال ذلك استحال ان يكون الفاسق لا
مؤمنا ولا كافرا كما قالت المعتزلة. وأيضا فاذا كان الفاسق مؤمنا قبل فسقه بتوحيده، فحدوث المزنا
بعد التوحيد لايبطل اسم الايمان الذى لم يفرقه.
ويميز أبو الحسن الاشعرى بين خروج
الانسان من الكفر وبين أن يكون مؤمنا. فعنده أن من اعتقد الحق فليس بكافر لأن
الاعتقاد فى الحق وفى النبوة مناف للفكر. لكن اعتقاده هذا وحده لايكفى لكى نعده
مؤمنا. ولذلك يقول : ان المرء لايستحق "المؤمن" الا اذا عرف الحق فى
حدوث العالم وتوحيد صانعه، وفى صحة النبون ببعض أدلته سواء أحسن صاحبها العبارة عن
الدلالة أو لم يحسنها. وليس المعتقد للحق بالتقليد عنده مشركا ولا كافرا وان لم
يسمه على الاطلاق "مؤمن". وقياس أصله يقتضى جواز المغفرة له لانه غير
مشرك ولا كافر[29].
[1] - لويس مألوف،
واصدقأ "المنجد في اللغة" الطبعة. 22 (بيروت، دار المشرق: 1977) ص: 695.
[2] - عبد الوهاب
السيد عوض الله وأصدقأ "المعجم الوسيط" الطبعة الثالثة، الجزء االثاني
(القاهرة، دار الهندسة: 1985) ص: 828.
[3] - الفاربي
"احصاء العلوم" ط. الثالثة (تحقيق د. سليمان دنيا. القاهرة، دار
اللمعارف: 1968) ص: 121.
[4] - د. محمد صالح
محمد السيد "مدخل إلى علم الكلام" (القاهرة، دار القباء: 2001 م) ص: 22.
[5] - ابن خلدون
"المقدمة" (بيروت، دار الجيل/ دار الكتب العلمية: 1398 هـ) ص: 507.
[6] - عبد الهادي
الفضلي "خلاصة علم الكلام" (سوريا، دار التعارف للملبوعات :1988 م) ص:
9.
[7] - نوران الجزيري
"قراءة في علم الكلام، الغائية عند الأشاعرة" (مطابع الهيئة المصرية
العامة للكتاب، دار الكتب: 1992) ص: 8.
[8] - عبد الهادي الفضلي "خلاصة علم
الكلام" (سوريا، دار التعارف للملبوعات :1988 م) ص: 12.
[9] - د. بكري محمد
بخيت "ملخص في علم الكلام" (مالانج، جامعة مولانا مالك ابراهيم
الإسلامية الخكومية: 2008) ص: 2.
[10] - د. بكري محمد
بخيت "ملخص في علم الكلام" (مالانج، جامعة مولانا مالك ابراهيم
الإسلامية الخكومية: 2008) ص: 4.
[11] - المرجع نفسه،
ص: 5.
[12] - عبد الهادي
الفضلي "خلاصة علم الكلام" (سوريا، دار التعارف للملبوعات :1988 م) ص:
18.
[13] - المرجع نفسه،
ص: 19.
[14] - عبد الهادي
الفضلي "خلاصة علم الكلام" (سوريا، دار التعارف للملبوعات :1988 م) ص:
19.
[15] - المرجع نفسه،
ص: 20.
[16] - المرجع نفسه،
ص: 20.
[17]446 وفاية العيان جلد الثانى ،
ص
[18] ابن كثير ،
بداية والنهاية المجلد 11 ص 187
[19] تاج الدين
السبكى ، المجلد الثانى ص 246
[20] مرتضى
الزابدى ، الإتحاف سادات المتقين بشرح أسرار إحياء علوم الدين ص 2-3
[21] - د. فيصل بدير
عون "علم الكلام ومدارسه" (القاهرة، دار الثقافة للنشر والتوزيع: دون
سنة) ص: 269.
[22] - د. محمد صالح
محمد السيد "مدخل إلى علم الكلام" (القاهرة، دار القباء: 2001 م) ص: 272.
[23] - الأشعاري
"الإبانة في اصول الديانات" (طبعة القاهرة، بدون سنة) ص: 8.
[24] - البغدادي
"اصول الدين" (دار الفنون التركية، طبعة مدرسة الإلهيلت: 1393 هـ) ص:
113.
[25] - الجويني.
"الإرشاد في قواطع الأدلة" (طبعة القاهرة: 1369 هـ) ص 148.
[26] - د. محمد صالح
محمد السيد "مدخل إلى علم الكلام" (القاهرة، دار القباء: 2001 م) ص:
273.
[27] إبراهيم بن محمد عبد الله الريكان "تعريف
الخلف بمنهج السلف" طبعة الأولى. (الرياض، دار ابن جوازي: 1418ه-1997م) ص
299-300.
[28] -
الجونيو "الارشاد الى قواطع الأدلة والاصول الاعتماد" (مكتبة خنجى: 1950)
ص: 396-397.
[29] -
البغدادى (عبد القاهر) "أصول الدين" (بغداد، مكتبة المثنى: 1346ه-1928م)
ص: 248-249.
Tidak ada komentar:
Posting Komentar
Berikan Saran Anda