المبحث الأول
المقدمة
أ.
خلفية البحث
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف
الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحابته اجمعين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم
الدين، أما بعد.
فإن من ابرز ما يميز عصرنا الحاضر عن غيره
من العصور، الاهتمام بالبحوث والدراسات العلمية، ثم بناء النظرية والإتجاهات والمذاهب
على أساس من نتائج هذه البحوث والدراسات.
لم يقتصر هذا المنهج على علوم الطبيعية وحسب،
وإنما شمل معظم العلوم الإنسانية، بما فيها الدراسات اللسانيات، وبخاصة ما يتعلق منها
بالبحث في طبيعة اللغة، وأساليب اكتسابها وطرائق تعليمها وتعلمها.
وإن البحث العلمي في طبيعة اللغة العربية،
واساليب وصفها وتحليلها قد سبق عصرنا الحاضر بعدة قرون، وعلماء العربية قد وصفوها وصفا
دقيقا، ووضعوا قواعدها الأساسية منذ ما يزيد على الف عام، بعد أن جمعوا مادتها العلمية
من الناطقين بها في عصور الفصاحة، المعروفة بعصور الاحتجاج.
وعندما افتتحت برامج تعليم اللغة العربية لغير
الناطقين بها في اواخر القرن الهجري الماضي لجأ كثير من القائمين عليها إلى مناهج تعليم
اللغات الأجنبية المعروفة في بلاد الغرب للاستفادة منها، وبخاصة برامج تعليم اللغة
الإنجليزية لغة ثانية أو اجنبية في البريطانيا والولايات المتحدة الأمريكية، فنقلوا
إلى اللغة العربية مباشرة، من غير عودة إلى التراث العربي الإسلامي، للبحث عن نظرية
لغوية تطبيقية، أو محاولاة تطبيق منهج نظري تراثي على تعليم اللغة العربية لغة ثانية
أو اجنبية[1].
ب.
أسئلة البحث
فمن
خلفية البحث السابق يمكن أن وضع الباحث أسئلة البحث، وهي:
1-
ما تعريف اللسانيات؟
2-
ما أشكال وتطور علم اللسانيات؟
3-
ما تدريس اللغة في ضوء النظرية البنيانية؟
4-
ما تدريس اللغة في ضوء النظرية التوليدية
والتحويلية؟
ج. أهداف
البحث
أما
اهداف هذا البحث هي:
1-
معرفة تعريف اللسانيات.
2-
معرفة أشكال وتطور علم اللسانيات.
3-
معرفة تدريس اللغة في ضوء النظرية البنيانية.
4-
معرفة تدريس اللغة في ضوء النظرية التوليدية
والتحويلية.
[1] - عبد العزيز ابراهيم
العصيلي "النظرية اللغوية والنفسية وتعليم اللغة العربية" (الرياض، جامعة
الإمام بن سعود الإسلامي: 1999) ص: 5-6.
المبحث الثاني
الإطار النظري
أ.
تعريف
اللسانيات
أن
كلمة (لغة) لم يرد في القرآن الكريم، وإنما ورد (اللسان) في أكثر من آية، قال
تعالى: فإنما يسرناه بلسانك ... (سورة مريم : الآية 97)، و(سورة الدخان : الآية
58). بلسان عربي مبين (سورة الشعراء : الآية 195)
اللسان جمعه ألسنةٌ
وألسُنٌ ولُسْنٌ ولسانات هو آلة النطق والذوق والبلع وتناول الغداء.[1]
ويفرق اللسانيون المعصرون بين الثلاث من الظواهر اللغوية:
1- الظاهرة الفردية هي متصور تحقيقي
إنجازي يمثل الكلام.
2- الظاهرة النوعية هي متصور نمطي يمثل
نظاماً معيناً في لغة واحدة أو بتعبير آخر مجموعة مظاهر التجلي في لغة واحدة ويطلق
على هذه الظاهرة (اللسان).
3- الظاهرة العامة هي متصور استغراقي
استيعابي كلي يجمع الكليات انطلاقاً من التشتت، وهذه الظاهرة العامة هي (اللغة).[2]
فالسانيات
أو العلوم اللسانية أو العلوم اللسان الحديث، وما يسمى في دول الغربية الآن بـ (linguistics) هو الدراسة العلمية الموضوعية
لظواهر اللسان البشري جميعها من خلال دراسة الألسنة الخاصة بكل قوم وبصفة خاصة
القدر المشترك فيها من القوانين التي تخضع لها هذه الظواهر، أي اللسان على أنه
أداة للتبليغ وظاهرة فيزياءية ونفسية واجتماعية عامة الوجود.
فاللسانيات تعني
الدراسة العلمية التجريبية والنظرية للظواهر اللغوية بغية استنباط القوانين التي
تضبط بها وتفسرها تفسيراً علمياً محضاً كما هي الحال في الظواهر الطبيعية الآخري،
أي بإجراء البحوث الميدانية والمشاهدة المباشرة لأحوال التخاطب وشيوع الكلمات
والتراكيب ونظام اللغة البنيوي، وتحليل هذه البنى تحليلاً رياضياً .. الخ.[3]
وتختلف اللسانيات عن علوم اللغة عند الغربيين
قبل القرن التاسع عشر في كثير من الخصائص، ويرى جون ليونز أن أهم هذه الخصائص هو:
1- أن اللسانيات تتصف بالاستقلال، وهذا مظهر من مظاهر علميتها. على حين
أن النحو التقليدي كان يتصل بالفلسفة والمنطق، بل كان خاضعا لهما في بعض الأحيان.
2- تهتم اللسانيات باللغة المنطوقة قبل المكتوبة، على حين أن علوم اللغة
التقليدية فعلت العكس.
3- تعنى اللسانيات باللهجات ولاتفضل الفصحى على غيرها، على النحو الذي كان
سائدا من قبل. فاللهجات على اختلافها وتعددها لاتقل اهمية عن سواها من مستويات
الاستخدام اللغوي.
4- تسعى اللسانيات إلى بناء نظرية لسانية لها صفة العموم، إذ يمكن على
أساسها دراسة جميع اللغات الإنسانية ووصفها.
5- لاتقيم اللسانيات وزنا للفروق بين اللغات البدائية واللغات المتحضرة،
لأنها جميعا جذيرة بالدرس دونما تمييز أو انحياز مسبق.
6- تدرس اللسانيات اللغة في كليتها وعلى صعيد واحد، ضمن تسلسل متدرج من
الأصوات إلى الدلالة مرورا بالجوانب الصرفية والنحوية[4].
ويرى فرديناند دوسوسير (ت 1913 م) أن
اللسانيات تقوم بثلاث مهمات هي:
1- تقديم الوصف والتاريخ لمجموع اللغات، وهذا يعنى سرد تاريخ الأسر
اللغوية، وإعادة بناء اللغات الأم في كل منها ما أمكنها ذالك.
2- البحث عن القوى الموجودة في اللغات كافة وبطريقة شمولية متواصلة، ثم
استخلاص القوانين العامة التي يمكن أن ترد إليها كل ظواهر التاريخ الخاصة.
3- تحديد نفسها والاعتراف بنفسها.
ب. تطورها وأشكالها
من الواضح أن العلم
لا يبلغ غايته ولا تتحقق أهدافه إلا إذا انتقل من ملاحضة الاشياء في ذاتها إلى
ملاحضة العلاقات والنسب القائمة بينها، فأهم غرض يعقده الباحث على موضوع بحثه هو
اكتشاف هذه العلاقات، فهو ينظر إلى نظام الاشياء لا إلى هذه الأشياء نفسها، وان
اكتفى الباحث بالملاحضة الاستقراءية وإدراك هذه العلاقات وترك التفسير العلمي لها
وتوجه العقلي المنتظم فقد أضاع نصف العلم، ذالك لأن التعليل من أهم مميزات المعرفة
العلمية.[5]
وفيما يلي فكرة موجزة
عن بعض ما قام به العلماء في ميدان (علم اللسان):
1- عند الفينيقيين
من المعروف أن
الفينيقيين هم الذين اخترعوا الأبجدية وعلموا العالم الكتابة، ويرى (أنطوان ميي A.
Meillet) أن الذين اخترعوا الكتابة وحسنوها هم في الحقيقة من أكبر
اللغويين بل هم الذين ابتدعوا علم اللسان.
الفينيقيون لم
يتمكنوا من الوصول إللى هذه الخطوة الجبارة إلا بعد أن قاموا بثورة جذرية على الخط
المسماري بعد أن تبين لهم عيوب الصورة المسمارية، فتركوها إلى ما هو أفيد منها
فبعد أن اخترعوا التمثيل الصوتي أوجدوا رموزاً خطية جديدة أقاموها مقام المسمارية،
وجعلوا لكل حرف صوتي صورة واحدة بسيطة سهلة التصوير بدلا من الخطوط المسمارية
المعقدة، وبهذا خرجت الكتابة الأبجدية إلى الوجود أول مرة في التاريج، ثم عمّ
استعمالهافيما بعد[6].
2- عند الهنود
تصفح الهنود القدماء
جزئيات لغتهم ومجاري كلامهم من مشافهة بعضهم لبعضهم الآخر ومن خلال النظر في
النصوص القديمة، فكانت نظرتهم علمية ومناهجهم مبنية على المشاهجة والاستقراء، وهي
مناهج وصفية نظرت إلى اللغة معين غير عابئة بالتحولات التي طرأت عليها على ممر
الأيام، فهي مناهج بنيوية. وأول أثر وصل عن مناهج هؤلاء كتب (الكتب الثمنية لمؤلفه
النحوي بانيني) ويشتمل الكتاب إلى أنواع الجمل وأنواع النغمات والنبرات الكلامية،
ثم المستوى المفردات، وما يعتريها من التغيرات الصوتية في أوائلها وأواخرها ..
الخ.
وأول شيء أعجب به
الأوروبيون عند اكتشافهم لكتابهم اللغوية هو هذه الصوتيات، إذ قال (فيرث) اللغةي
الإنجليزي : لو لا النحرة والصوتيون الهنود لصعب علينا الآن أن نتصور مدرستنا
الصوتية التي ظهرت في قرن التاسع عشر.
ويرى (بلومفيلد) من
اللغةيين الأمركيين المشهورين: أن أهم من اكتشاف الشبه بين السنسكريتية واللغة
الأوروبية مالمحه الأوروبية من البنية اللغوية، وذلك بفضل النحو الهندي الدقيق
المنتظم، فالنحو الهندي هو الذي علّم الأوروبيون كيف يحللون أبنية كلامهم.
3- عند اليونان
استعار اليونانيون من
الفنيقيين كتابتهم الهجائية، وعلى الرغم من أن بنية لغتهم تختلف عن الفينيقية في
الجوامد والمصوتات أخذوا أكثر العلاقات الدالة على المصوتات من الكتابة الفينيقية
بعد أن كيفوها بما يلائم لغتهم، وقد توصلوا إلى أن الصامت لا يمكن أن ينطق به
إلامع مصوت، وسموا المجموعة المكونة من الصامت والمصوت (syllable)، وقالوا : أن المصوت يمكن أن ينطق به وحده فيكون عند ذلك بمنزلة
مقطع واحد.
كانت هذه الجهود قبل
ظهور الفلسفة اليونانية، وبعد ظهور هذه الفلسفة اتخدت الدراسات اللغوية اليونانية
منهجاً جديداً أثر في الحضرات التي تلت من فارسية وهندية ورومانية وعربية وحديثة.
وعمد النحوييون
اليونانية إلى تحليل مستويات لغتهم، ففرقوا بين مراتب الأصوات والحروف، وقسموا
الحروف الجوامد إلى شبه مصوته وغير مصوته، ثم قسموا غير المصوته على أساس خروج
النفس والنفخ مع الحرف أو عدم خروجه، وقسموا الصوت إلى مقصور وممدود وما
بينهما.
4- عند العرب المسلمين
قام العرب بجهود
جبارة في ميدان الدراسات اللغوية لا تقل أهمية عما أثبتته اللسانيات المعاصرة، ولا
يتسع المجال هنا لعرض آراءهم ونظرياتهم كافية في هذا المجال، وإنما سنكتفي بأخذ
فكرة موجزة عن بعض ما جاء في تراثنا العربي من محاولات يتسم أغلبها بالروح العلمية
والفكرة الموضوعي كما هي الحال عند أبي الأسواد والخليل بن أحمد وسيبويه ووأبي نصر
الفارابي وابن خلود.
محاولة أبي الأسواد
وضع مقاييس نحوية حفاظاً على قراءة القرآن العربي وبالتالي اللسان العربي، تعد
محاولة علمية، ذلك لأنه استقرى الظاهرة اللسانية العربية من القرآن الكريم، ثم من
كلام العرب وأشعارهم بغية استنباط قوانين للعربية واختراء نظام من الرموز الخطية
لضبط نص القرآن وتصحيح قراءته.
وهذا الطريق الذي
سلكه بعد أسلوباً علنياً، لأن فكرة استقراء مادة اللغة وأصواتها وتحليلها تحليلاً
علمياً يفضي به إلى اكتشاف نظامها وبنيتها فيسهل بعد ذلك وضع الرموز المناسبة،
وعملية الاستقراء تلك تستلزم جهداً كبيراً
ودقة لا متناهية في النظرة الفاحصة المستأنية.
5- مرحلة ما قبل دوسوسير
كان ينظر في العصر الوسيط إلى اللغة اوروبية
على أنها لاترقى الى مرتبة الفن والعلم، وقصد بالفن علم القواعد، وخلال العصر
الوسيط كله كانت لفظة القواعد تفيد معنى اللغة اللاتينية الكلاسيكية، كما اقتصر
وصف الحروف على الحروف اللاتينية وحدها، إلا أن دانتي “Dante”
أولى دراسة اللهجات الإيطالية في كتابه "بلاغة العوام" اهتمامه، إذ عد
هذا الكتاب مصدرا من مصادر الدراسة العلمية اللهجات الإيطالية في القرن الرابع
عشر.
وفي القرن الخامس عشر حدث نشاط ديني أدى إلى
ظهور حركة الإصلاح الديني ودفع إلى مزيد من دراسة العبرانية والآرامية والسريانية،
وطرح انتشار الطباعة مشكلة كتابة الحروف، واسهم ذلك كلها في وعي الناس للظواهر
الصوتية في حد ذاتها[7].
وفي القرن السابع عشر عكست مسرحية
"البرجوازي النبيل"لموليير النقاش حول تعليم الكتابة، وظهرت عدة كتب حول
مسائل الكتابة سواء في الإنجليزية أو في الإسبهانية وزاد الإهتمام بتعليم الصم
والبكم، وبرزت في نهاية هذا القرن أولى الدراسات في علم الصوت على يدي "دو
هامل Du Hamel"
الذي كان أول أمين عام دئم للمجمع العلمي الفرنسي، وقد قام بإجراء تشريح للجهاز
الصوتي، وهو في وصفه للحروف للحروف الصوتية لايمل ما يطرأ على نطقها من تحولات
بتحولات البلدان.
وفي القرن الثامن عشر استمرت الدراسات النحوية
أكثر من الصوتية، وكانت متسمة بالطابع المنطقي العقلاني الفلسفي، كما استمر في هذا
القرن الجرد الوصفي للغات الحية من قبل المبشرين والكتاب الذين رحلوا إلى آسيا
وافريقيا، ونشر العالم الألماني "بلاس Palas" كتاب "مفردات
مقارنة بين جميع اللغات العالم" وجعله في شكل معجم يشمل 285 لفظة مقتبسة من حوالي
مائتي لغة أوروبية وآسيوية، وضمت الطبعة الثانية من الكتاب 280 لغات وشملت
الاضافات لغات افريقية وأمريكية. ويعد القرن الثامن عشر عصر النظرية، إذ تعددت فيه
النظريات التاريخية والنفسية في نشأة اللغة، وفي هذا العصر اكتشف مستشرق بريطاني
هو "وليام جونز" نصوصا سنسكريتية، وطرح احتمال نشوء اللاتينية
واليونانية والجرمانية والفارسية من أصل واحد، واطراد الأسلوب المقارن في دراسة
اللغات[8].
وفي القرن التاسع عشر، وعلى أثر اكتشاف اللغة
السنسكريتية، توجهت العناية نحو دراسة هذه اللغة، فصدرت في الإنجليزية خمسة كتب
تعالج االقواعد السنسكريتية ورأى "شليغل Sechlegel"
الالماني ضرورة وضع معجم مقارن أو قواعد ينبغي أن يبنى عليها ضرب من القواعد
المقارنة، فيقول في صدد السنسكريتية: "لايقتصر الشبه بينها وبين اللاتينية
واليونانية والالمانية والفاريسية على ذالك العدد العديد من الجذور المشتركة، لكنه
يمتد على البنية الداخلية لهذه اللغات وإلى اعماق القواعد، وقد بلغ من اتفاق
القواعد السنسكريتية مع القواعد اليونانية والاتينية حدا لاتختلف سنسكريتية عن كل
منهما أكثر مما تختلف اليونانية عن اللاتينية.
6- اللغوي السويسري
"دوسوسير De Saussure"
يمثل دوسوسير نقطة
تحول في الدراسات اللغوية، فبعد أن كانت الدراسات التاريخية أو المقارنة هي
السائدة في القرن التاسع عشر، فإذا هي تتحول مع دوسوسير إلى البحث عن اللغة على
أنها واقع اجتماعي قائم له خصائصه التركيبية وأصواته الخاصة به، مما جعل دوسوسير
رائدا للبحث اللغوي الحديث[9].
7- النصف الأول من القرن الحالي في أمريكا
بدأ علم اللغة في
أمريكا يحتل مكانا بارزا في الدراسة الجامعية خلال العشرينيات، ونشطت الابحاث بين
الحربينالعالميتين الأولى والثانية، إذ أنشئت أول جمعية أمريكية لعلم اللغة عام
1924، واميز النصف الأول من القرن الحالي بالمنهج اللغوي الوصفي الذي حمل لواء
دوسوسير في أوروبا، فقام بواس "Boas"
بدراسة اللغة الهندية الأمريكية دراسة ميدانية، وألفي أن استخدام المقاييس
المعتمدة في دراسة اللغات الاوروبية لاينطبق على اللغات الهندية التي لاتفرق بين
المفرد والجمع، كما لاحظ أن لغة اسكيمو لاتفرق بين صيغة الماضي والحاضر، وقد أدت
هذه الملاحظات بـ "بواس" إلى أن يعد أن لكل لغة تركيبها وخصائصها، وهذا
مادفعه إلى أن يدعو إلى تطوير اساليب البحث اللغوي لتتناسب مع مختلف اللغات[10].
وشارك ادوار سابير "Sapir"
زميله بواس في دراسة اللغة الهندية الأمريكية، وربط بين دراسة اللغة وجوانب حضارية
كالأدب والموسيقي، وصدرت أراؤه في كتابه "اللغة".
8- تشومسكي وأثره في الدراسات اللغوية المعاصرة
يعد العالم اللغوي الأمريكي
"تشومسكي" رائدا في الدراسات اللغوية المعاصرة، فمنذ أن ظهر كتابه
"التراكيب النحوية Syntactics
Structures"
عام 1957 دخلت هذه الدراسات مرحلة جديدة بعد أن ثار على المفاهم التي كانت سائدة
قبله، فقد انتقد بعنف نظرية السلوكيين ومنهجهم في النظر إلى طبيعة اللغة
واكتسابها، ورأى أن لاعلاقة بين سلوك الفئران وبين اللغة البشرية[11].
ج. تعليم اللغة في ضوء النظرية البنيانية
النظرية البنيانية
علم يستند إلى القول بأنه لايمكن تحليل أي عنصر من عناصر اللغة معزولاعن العناصر
الأخرى[12].
ترتبط المفاهم
البنيانية فيما يختص بتعليم اللغة بمبادئ علم النفس السلوكي ارتباطا وثيقا، فتنظر
الى اللغة على أنها نوع من أنواع المثير والاستجابة للمثير، واللغة ضمن هذاالاطار
سلوك انساني، وتقوم المفاهيم البنيانية فيما يختص بتعليم اللغة على النحو التالي[13]:
1- تبنى عملية التعليم اللغة على منهجية
تكوين عادات كلامية انطلاقا من اثارة المثير ومن الاستجابة التلقائية لهذا المثير.
2- تتم تقوية العادات الكلامية بوساطة
تعزيزها وتدعيمها بصورة متواصلة.
3- تقتضي الاساليب الاساسية المعتمدة بهدف
تنمية الاداء الكلامي للتلميذ الترداد والممارسة وتدعيم العناصر الكلامية وتتابعها
في السياق الكلامي[14].
ويتخى البنيانيون
توفير تمارين متدرجة يدرس التلميذ في ظلها كل صعوبة لغوية ضمن بنية تركيبية واحدة
مرتبطة بظرف كلامي محدد وتتلاءم هذه التمارين مع تنائج الدراسات اللسانية
التحليلية. وتهدف التمارين الى تركيز البنى اللغوية والعناصر في ذهن التلميذ بصورة
آلية، ولابد في عملية التركيز هذه من مراعاة:
1- تثبيت البنية اللغوية بصورة واضحة في
تمرين متخصص.
2- ترداد التلاميذ التمرين أكثر من مرة.
3- وجوب كون استجابات التلاميذ صحيحة في
غالبيتها كي تتركز البنية اللغوية في الذهن.
4- وجوب كون التصحيح أكثر فعالية في حال
وقوع الاخطاء حين يتبع مباشرة الاستجابة الخاطئة.
وهكذا يتعلم التلميذ
اللغة من خلال تكرار الجمل، وينمو سلوكه اللغوي من خلال تقليد البنى اللغوية
وممارستها وتتم الممارسة اللغوية من خلال التمرين
البنياني، ويهدف هذا التمرين الى اكتساب المتعلم النبي الاساسية في اللغة
وتدعيم معرفته بهذه البني وتمكينه من استعمالها بصورة آلية. وتأخذ التمرينات
البنيانية بالاتجاهات التربوية التالية:
1-
يجب
الا تذكر الفاعدة التي يبنى عليها التمرين البنياني، اذ تبقى القاعدة ضمن اهتمامات
المدرس المسئول عن ادارة التمرين.
2-
يجب
اكتساب التلميذ بصورة آلية البنى الصرفية والتركيبية للغة.
3-
يجب
اعطاء المتعلم فرصة استعمال البنى المكتسبة واععتماد نوع من التدرج في تركيز البنى
المختلفة واستعمالها واستغلالها على احسن وجه في عملية تكلم اللغة.
4-
يجب
تزويد التلميذ دائما بالجمل الصحيحة كي لا يطرأ عليه وضع لا يعود في ظله تحقيق
الاستجابة المطلوبة في حال سماعة جملا غير صحيحة مما يسيء مباشرة حسب اعتقاد
البنيانيين الى عملية التعلم.
وتستمد المبادئ
البنيانية أبعادها النظرية من علم النفسي السلوكي وتبني منهجيتها في تعليم اللغة
في ظل النظرية السلوكية، كما انها تعتمد نتائج الدراسات اللسانية من خلال
التمرينات البنيوية التى تسعى الى تركيز بنى اللغة وعناصرها الاساسية عن طريق
الممارسة والترداد. وقد اتخذ التمرين البنياني بعدين أولهما بعد آتي وثافيهما بعد
تربوي يستمد مفاهيمه من علم التفسي السلوكي ويقوم على ايجاد المثير والاستجابة
للمثير وتقوية هذه الاستجابة عند التلميذ.
د. النظرية
التوليدية والتحويلية
جاء في معجم علم اللغة النظري أن النظرية
التوليدية التحويلية نظرية لغوية استحدثها اللغوي الأمريكي نوم شومسكي في
الخمسينات وافترض فيها وجود تركيب باطني وآخر ظاهري لكل جملة ونظم العلاقة بين
التركيبين عن طريق قوانين تحويلية[15].
ولهذه النظرية أربعة انماط من القوانين:
1-
قوانين تركيب أساسي أو قوانين ترقيب
الباطني: وهي قوانين تجريدية ذات صبغة شمولية.
2-
قوانين مفرداتية أو نحوية: وهي
القوانين التي يتم بوساطتها وصف مفردات اللغة من حيث معناها ومبناها.
3-
قوانين تحويلية: وهي القوانين التي يتم
بموجبها تحويل التراكيب الباطنية إلى تراكيب الظاهرية.
4-
قوانين مورفيمية صوتية: وهي القوانين
التي تضع الكلمات التي في التركيب الظاهري بصيغتها النهائية من ناحية صوتية[16].
وأهم سماتها فكرة التركيب الباطني والتركيب
الظاهري وكيفية الانطلاق من المكونات الشكلية في التركيب الظاهري وصولا إلى تركيب
باطني من خلل عدد من الاجراءات منها تحويل تركيب إلى آخر. التركيب الباطني هنا هي
انماط من العلاقة كامنة في العقل عند ابناء الجماعة اللغوية وتصدر الجمل والعبارات
التي نسمعها ونفهمها وندركها عن هذا التركيب الباطني الكامن. ومن القصور في رأي
تشومسكي ما نهجته المدارس الوصفية الأوربية والأمريكية في النصف الأول من القرن
العشرين عندما اقتصر على تلك التراكيب الظاهرية في اشكالها المادية المنطوقة
(المسموعة) والمكتوبة. ولم تتجاوز ذلك إلى تعرف التراكيب الباطنية الكامنة وراء
ذالك[17].
ه. تدريس
اللغة في ضوء النظرية التوليدية والتحويلي
1-
كان لعلم اللغة في القرن العشرين تأثيرات واضحة في تطور النظرية الحديثة لتعليم
اللغات، وذلك مع الوعي بالفروق الأساسية بين علم الغة بوصفه علما أساسيا من جانب
وتعلم اللغة بوصفه عملا تطبيقيا يقوم على أسس علمية من الجانب الآخر. يهدف علم
اللغة الحديث إلى تطوير نظرية عامة عن بنية اللغة ومناهج تحليلها بدقة وتطوير
الوسائل والإجراءات التي تمكن من الوصف العلمي للغات الطبيعية بدقة وموضوعية
تتلاءم وطبيعة اللغة[18].
أما النظرية الحديثة لتعليم اللغات فتهدف إلى تعرف الأسس العلمية التي تمكن من جعل
تعلم اللغات بمستوى عال من الفاعلية، ومن طبيعة المقررات اللغوية أن المقرر الواحد
يكون هادفا إلى تعليم لغة محددة، ومن ثم يمكن ادراك مدى النجاح فيه وتعرف افضل
الوسائل لتصميم المواد التعليمية ولتطوير المناهج. وثمة جوانب لقاء بين علم اللغة
الحديث وتعليم اللغات في القرن العشرين، منها ما قدمه علم اللغة من وصف دقيق
لأبنية لغات مختلفة، الأمر الذي أتاح الإفادة من هذا الوصف في اعداد مواد تعليمية،
ومنها تقديم رؤية جديدة لطبيعة اللغة كان لها تأثيرها في نظرية تعليم اللغات.
وتتوازى هذه الجهود على نحو يتضح مثلا من التحول في علم اللغة من تحليل البنية
السطحية للغة في المدارس الوصفية إلى التحليل التوليدي التحويلي للغة بتعرف البنية
العميقة في مدرسة تشومسكي. يتوازى هذا التحول في نظرية اللغة مع التحول في انماط
التدريبات اللغوية التعليمية من التدريبات النمطية الآلية إلى تدريبات لتنمية
التعبير الابداعي باللغة. وتتضح هذه الصلة أيضا من نشأة علم اللغة التداولى عن
نظرية سياق الموقف عند فيرث، واسهام علم اللغة التداولي محدد بدراسة اللغة في إطار
علامة الموقف الكلامي، وفيه علاقة المتحدث بالسامع والسياق الاجتماعي والموضوع.
والتمرينات البنيانية كما يرى اصحاب النظرية
التوليدية والتحويلية لاتخدم عملية تعليم اللغة، لأنها تنطلق من منطلق خاطئ من حيث
أنها لاتوفر في كل محاولة سوى مظهر مجزأ اللغة، ولاتساعد المتعلم على الإلمام
باللغة في ابعادها الابداعية كلها، فاللغة وحدة قائمة بذاتها، وكل محاولة لتعليمها
بصورة مجزأة تبدو مهددة بالاخفاق[19].
والتواصل اللغوي لايقوم على البنى والمفردات
المحددة انه ينبع من المعرفة الضمنية لدى متكلم اللغة، ليس فقط بالقواعد التي تربط
بين الدلالات والأصوات اللغوية فحسب والتي هي ضمن كفايته اللغوية، بل يقتضى
التواصل اللغوي فضلا عن ذلك الالمام بقواعد التواصل والتي هي قائمة بصورة ضمنية
عبر مانسميه بالكفاية اللغوية التواصلية وهذه الكفاية التواصلية تفسر قدرة الانسان
على استعمال لغته في ظروف التواصل المختلفة القائمة في بيئته الاجتماعية، وفي ضوء
هذا المنظار تبدو التمارين البنيانية فقيرة جدا ولاتتلاءم بصورة واقعية مع الظروف
التواصلية التي يجد التلميذ نفسه فيها عندما يتكلم في بيئته الإجتماعية.
2-
إن الأفكار الأساسية التي تكونت في اطار نظرية
تعليم اللغات بالإفادة من علم اللغة الحديث في القرن العشرين ارتبطت باتجاهين
متميزين في تاريخ علم اللغة، الإتجاه الأول تمثله المدارس الوصفية والبنيوية
بتفريعاتها المختلفة حتى اليوم. والإتجاه الثاني تمثله بعد 1965 المدرسة التوليدية
التحويلية. كانت قد استقرت في اطار المدارس الوصفية البنيوية مجموعة من الأسس
العامة لطبيعةاللغة وتعليمها.
3-
لكن التقدم العلمي بظهور نظرية تشومسكي
المتمثلة في النحو التوليدي التحويلي نقل البحث اللغوي إلى مرحلة جديدة، وكان له
أيضا تأثيره في نظرية تعليم اللغات، وتقوم نظرية تشزمسكي في التحليل اللغوي على
الأسس التالية:
أ.
النحو التوليدي نظرية في الكفاءة اللغوية، وعلم
اللغة يكشف جانبا مهما من العلمية المعرفية عند الإنسان وبوسائل دقيقة. الكفاءة
اللغوية هي منظومة القواعد المختزنة في العقل عند الفرد والتي تحدد البنية العميقة
في اللغة. وتصدر عنها الجمل التي تظهر في "البنية السطحية" النظرية
اللغوية نظرية عقلية تحاول كشف الحقيقة اللغوية الكامنة خلف الاستخدام اللغوي.
ب. الأداء اللغوي هو الاستخدام الفعلي
للغة في مواقف محددة. وله سمات الخاصةة به، وقد يعاني الأداء من تغير الخطة ومن
ابداية الخاطئة في جملة ثم العدول عنها، وقد يعاني من الإنحراف عن القواعد وغير
ذلك من السمات غير الدالة على مكونات الكفاءة اللغوية أو البنية العميقة عند ابناء
اللغة.
ج. النحو في لغة من اللغات مجموعة قواعد
يؤدى تطبيقها إلى انتاج الجمل الصحيحة نحويا وإلى فهم جمل لم يسبق الاستماع إليها
من قبل[20].
[13] - د. ميشال زكريا
"مباحث في النطرية الالسنية وتعليم اللغة" (بيروت، مؤسسة جامعة دراسة
والنشر والتوزيع: 1985) ص: 85.
المبحث الثالث
الخلاصة
اللسانيات هي الدراسة
العلمية الموضوعية لظواهر اللسان البشري جميعها من خلال دراسة الألسنة الخاصة بكل
قوم وبصفة خاصة القدر المشترك فيها من القوانين التي تخضع لها هذه الظواهر، أي
اللسان على أنه أداة للتبليغ وظاهرة فيزياءية ونفسية واجتماعية عامة الوجود.
أشكال وتطور اللسانيات لها آراء ومراحل وهي:
عند الفينيقيين، عند الهنود، عند اليونان، عند العرب. وأما مراحلها تتكون إلى:
مرحلة ما قبل دوسوسير، مرحلة دو سوسير، مرحلة في النصف الأول من القرن الحالي في
أميريكا، مرحلة تشومسكي وأثره في الدراسة اللغوية المعاصرة.
وتقوم المفاهيم
البنيانية فيما يختص بتعليم اللغة على النحو التالي:
1- تبنى عملية التعليم اللغة على منهجية
تكوين عادات كلامية انطلاقا من اثارة المثير ومن الاستجابة التلقائية لهذا المثير.
2- تتم تقوية العادات الكلامية بوساطة
تعزيزها وتدعيمها بصورة متواصلة.
3- تقتضي الاساليب الاساسية المعتمدة بهدف
تنمية الاداء الكلامي للتلميذ الترداد والممارسة وتدعيم العناصر الكلامية وتتابعها
في السياق الكلامي.
التقدم العلمي بظهور نظرية تشومسكي المتمثلة في
النحو التوليدي التحويلي نقل البحث اللغوي إلى مرحلة جديدة، وكان له أيضا تأثيره
في نظرية تعليم اللغات، وتقوم نظرية تشومسكي في التحليل اللغوي على الأسس التالية:
أ.
النحو التوليدي نظرية في الكفاءة اللغوية، وعلم
اللغة يكشف جانبا مهما من العلمية المعرفية عند الإنسان وبوسائل دقيقة. الكفاءة
اللغوية هي منظومة القواعد المختزنة في العقل عند الفرد والتي تحدد البنية العميقة
في اللغة. وتصدر عنها الجمل التي تظهر في "البنية السطحية" النظرية
اللغوية نظرية عقلية تحاول كشف الحقيقة اللغوية الكامنة خلف الاستخدام اللغوي.
ب.
الأداء اللغوي هو الاستخدام الفعلي للغة في
مواقف محددة. وله سمات الخاصةة به، وقد يعاني الأداء من تغير الخطة ومن ابداية
الخاطئة في جملة ثم العدول عنها، وقد يعاني من الإنحراف عن القواعد وغير ذلك من
السمات غير الدالة على مكونات الكفاءة اللغوية أو البنية العميقة عند ابناء اللغة.
ج.
النحو في لغة من اللغات مجموعة قواعد يؤدى
تطبيقها إلى انتاج الجمل الصحيحة نحويا وإلى فهم جمل لم يسبق الاستماع إليها من
قبل.